كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

لقيت زيدًا ثم عمرًا، فقد ذكر أنه لقي عمرًا بعد زيد على تراخ، فالواو لا توجب التبدية، وإنما تقتضي الأفعال، قال اللَّه تبارك وتعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] وقد علم أن السجود بعد الركوع، لأن السجود أزيد في التواضع للَّه عز وجل، ومن شأن العبد أن يكون تواضعه للَّه يزيد لا ينقص، والركوع بعد السجود تواضع دون الأول، فمعلوم أن اللَّه تبارك وتعالى اقتضى الأفعال منها، ففعلت ما أمرت به، وصلت فركعت ثم سجدت، والقنوت هاهنا طول القيام والخشوع للَّه عز وجل.
فإن قيل: فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدأ كما بدأ اللَّه في الآية.
قلنا: كذلك نأمر المتوضئين بذلك اتباعًا للسنة.
فإن قيل: فقد قال اللَّه تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨]، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نبدأ بما بدأ اللَّه به" (¬١).
قلنا: الواو هاهنا لا توجب التبدية أيضًا، وفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجري مجرى السنن، فلو كنا في هذا وُكِلنا إلى الآية والفعل لاخترنا أن نبدأ بما بدأ اللَّه به، فإن خالف ذلك إنسان غير عامد للخلاف، وأتى بالسعي وعدده أجزأه، ولكن أمر الحج وإن كان (¬٢) نعلمه من الكتاب وأفعال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقوله: "خذوا عني مناسككم" (¬٣)، فإن الأصل مأخوذ عن إبراهيم الخليل صلوات اللَّه عليه، فقد يجوز أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- احتذى فيه فعل إبراهيم، وما أمر اللَّه تبارك وتعالى إبراهيم به، فلما جاز ذلك خفي عنا أو علمناه، ولم نُوكل إلى ظاهر
---------------
(¬١) رواه مسلم، (٤/ ٣٢)، كتاب: الحج، باب: حجة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(¬٢) كذا في الأصل، ولعله: كنا.
(¬٣) تقدم (١/ ٨٨).

الصفحة 466