كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

فجعل الفساد بمنزلة القتل، لأن المعنى واللَّه أعلم: من قتل نفسًا بغير نفس أو بغير فساد في الأرض، فلم يحتج إلى إعادة غير، وعطف الكلام على ما قبله، فجعل الفساد عِدلًا للقتل، فإذا كان الشيء بمنزلة الشيء فهو مثله، وقد ذكر اللَّه تبارك وتعالى القصاص في غير موضع من كتابه، ثم أفرد للمحارب حكمًا، فانتهينا إلى حكم اللَّه تبارك وتعالى فيه.
قال عطاء، ومجاهد، والضحاك، وأبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: كل ما قال اللَّه تبارك وتعالى فيه افعل كذا أو كذا، فصاحبه بالخيار، أيُّ ذلك فعل فقد أتى بما أمره اللَّه به (¬١).
قال أبو مصعب عن مالك -رضي اللَّه عنه- مثل ذلك (¬٢).
فهذا الذي يُفهم من كلام الناس.
وما روي عن ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، فعلى وجه المشورة، ومن تابعهم.
وأما سعيد بن المسيب، والضحاك بن مزاحم، والحسن، وعطاء، والقاسم، وعمر بن عبد العزيز، فقالوا: الإمام مخير (¬٣).
وليس قول من قال: إنه مخير في المحارب أنه يفعل فيه بالهوى، ولكنه يجتهد فيما يراه ردعًا، ويتخير من العقوبات التي أنزلها اللَّه تبارك وتعالى فيه ما يرى أنه أقرب إلى اللَّه، فكم من محارب لم يَقتُل، له في أمره من الرئاسة والتأليب على قطع طريق المسلمين أكثر ممن قد قتل في محاربته، كما أن
---------------
(¬١) علقه البخاري في أول كتاب: كفارات الأيمان، عن ابن عباس، وعطاء، وعكرمة، ورواه ابن جرير في تفسيره (٢/ ٢٤٥) عن مجاهد وعطاء وابن عباس وعكرمة.
(¬٢) الموطأ برواية أبي مصعب برقم ١٢٧٢ كتاب: المناسك، جامع ما جاء في الفدية.
(¬٣) رواه ابن جرير عن سعيد، والحسن، وعطاء ممن ذكرهم المصنف، وعن مجاهد، وإبراهيم، وابن عباس، انظر: تفسيره (٤/ ٥٥٥).

الصفحة 469