كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

فقال: أرى أن تستتيبهم، فإن تابوا جلدتهم ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم، وإنهم كذبوا على اللَّه وشرعوا في دينه ما لم يأذن به اللَّه، فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين (¬١).
قال القاضي: وهذا القول اتفاق من عمر وعلي على أن من شرع شرعًا يخالف كتاب اللَّه، كان له حكم من تقدمه ممن خالف الكتاب.
وأما قوله عز وجل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}، فقد تأول قوم بهذه الآية: أن المسلم يقتل بالذمي (¬٢)، وهذا التأويل -مع ما فيه من مخالفة الحديث الذي روي عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطأٌ شديد، لأن اللَّه عز وجل قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} يعني: في التوراة، فكان ذلك مكتوبًا على قوم هم (¬٣) ملة واحدة متساوون، ولم يكن لهم أهل ذمة ولا عبيد، ولا أبيح الاستعباد إلا لنبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- في شيء من الكتب، كما المسلمين أهل ذمة وعبيد، لأن الجزية فَيْءٌ وغنيمة أفاءها اللَّه على المؤمنين، ولم يجعل الفيء قبل هذه الأمة، ولا كان نبي يُبعث إلا إلى قومه، وبعث نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الناس كافة (¬٤)، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨]، فعلمنا أن هذه الآية أوجبت على أهل التوراة، وكانت دماؤهم تتكافأ، وأحكامهم وملتهم واحدة، فكذلك وجب حكم هذه الآية على أهل القرآن، إذ أنزلت فيه فيما بينهم على التكافؤ، لقول
---------------
(¬١) رواه ابن أبي شيبة برقم ٢٩٠٠٠، كتاب: الحدود، في حد الخمر كم هو، وكم يضرب شاربه؟
(¬٢) مذهب أبي حنيفة -رضي اللَّه عنه-، انظر: أحكام القرآن للجصاص الحنفي (١/ ١٧٣).
(¬٣) في الأصل: مكانها كلمة غير واضحة.
(¬٤) كما في الحديث المتفق عليه عن جابر بن عبد اللَّه، رواه البخاري برقم ٤٣٨، كتاب: الصلاة، باب: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جعلت لي الأرض. . . "، ومسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا".

الصفحة 487