كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم" (¬١).
وهذا دليل واضح أن دماء غيرهم لا تُكافِئ دماءهم، إذ قال: "وهم يد على من سواهم"، فمن زعم أن المسلم يقتل بالذِّمِّيِّ فقد جعل الكافر يكافئ المؤمن، وأخلى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" من الفائدة، وهو كلام بعضه موصول ببعض، فأدنى المسلمين يجير عليهم، ولو أن ذميًا أجار عليهم لما جاز جواره، وقد علمنا بقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن من سواهم هم الكفار من ذمي وغير ذمي، والكافر الذمي محرم دمه بالعهد الذي جعل له، كما حرم ماله، ولولا ذلك لكان بمنزلة الحربي لا فضيلة له، وليس يجب على مسلم نقض عهد فيما بينه وبين ذمي إن قتل، ولكن يؤدب ويُغرَّم ما أتلف من دم أو مال.
وقد زعم أبو حنيفة في حربي دخل بأمان فقتله مسلم أنه لا يقتل به، وأن عليه ديتَه (¬٢)، فترك هو وأصحابه ما احتجوا به من {أَنَّ النَّفْسَ بِاَلنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥]، وأن الآية عامة في كل نفس محرمة، ودم المستأمِن عندهم محرم، كما حرم دم (¬٣) الذمي، وكل واحد منهما له عهد يجب على المسلمين الوفاء به إلى مدته، لا فرق بين حاله إلى مدته وبين حال الذمي.
---------------
(¬١) روي عن غير واحد من الصحابة، منه ما رواه الإمام أحمد في مواضع منها برقم ٩٥٩، ٩٩١، والنسائي برقم ٤٧٣٤، كتاب: القسامة، باب: القود بين الأحرار والمماليك في النفس، عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وأبو داود (ت الأرناؤوط) برقم ٢٧٥١، كتاب: الجهاد، باب: في السرية ترد على أهل العسكر، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
(¬٢) أحكام القرآن للجصاص الحنفي (٦/ ٢٨).
(¬٣) في الأصل: ذمي.

الصفحة 488