كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

وقالوا أيضًا: من قتل عبده المسلم لم يُقتل به (¬١)، فأخرجوه أيضًا من جملة الآية التي احتجوا بعمومها، فإن قالوا: إن هذا خرج من جملة الآية لأنه عبده، فكذلك خرج الآخر لأنه كافر ليس حرمته كحرمة المسلم، بل العبد المسلم أعظم عند اللَّه من الذمي، لقول اللَّه تعالى فيمن قتل لم مؤمنًا متعمدًا، وخص المؤمنين بذلك، والعبد المؤمن داخل في جملة المؤمنين، ولو أن مسلمًا قذف ذميًا لما جلد له الحد لنقصان حرمة الكافر عن حرمة المسلم، ولكن يؤدب للعهد الذي جعل له.
قال الشعبي: أخبرني أبو جحيفة قال: وسمعت عليًا يقول: ما عندنا سوداء في بيضاء بعد كتاب اللَّه إلا ما في هذه الصحيفة، قلت: وما فيها؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مؤمن بكافر. وقد احتج من أصحاب داود بعضهم بقوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] ولا تخلوا هذه الآية من أن تكون خصوصًا أو عمومًا، فإن كانت على العموم فينبغي أن يقتلوا (¬٢) الحر بالعبد، فقد قتل مظلومًا، فين كانت خاصة فقد أذن (¬٣) إلى التكافؤ، واللَّه أعلم.
وقالوا أيضًا: إن قوله: "ولا يقتل ذو العهد في عهده"، ابتداء لا وجه له، لأنا قد علمنا بقوله: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: ٤]، أن قتلهم محرم في العهد إلى تَقَضِّيه، وهو نكث الذمي وخروجه من الذمة.
قلنا لهم: ليس الأمر على ما ظننتم، إن كانت الآية قد منعت من قتلهم فقد منعت من قتل الحربي في عهده، كما منعت من قتل الذمي في مدته، والآية فيهما سواء، بل ظاهرها في الذي له العهد إلى مدة، وأنتم لا تقتلون قاتل ذي العهد إلى مدة وتقتلون قاتل الذمي، ومع ذلك فلهذه الآية نظائر، قال اللَّه عز
---------------
(¬١) أحكام القرآن للجصاص الحنفي (١/ ١٦٩).
(¬٢) في الأصل: يقتلون.
(¬٣) كذا في الأصل، ولعله خطأ.

الصفحة 489