كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

وروى مالك -رضي اللَّه عنه- (¬١)، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: وجد في قائم سيف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتاب أن "أشد الناس غلوًا (¬٢) رجل ضرب غير ضاربه، ورجل قتل غير قاتله، ورجل تولى غير أهل نعمته، والمؤمنون تكافأ (¬٣) دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يُقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده" (¬٤).
وطرق هذه الأحاديث كثيرة.
واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة لأبي حنيفة في هذا الحديث بأنه لو كان صحيحًا لكان: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا بذي عهد في عهده"، وهذا الذي قاله خطأ فاحش، لأن اللَّه عز وجل قال: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} إلى قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٧٩ - ٢٨٠]، فلو كان عطفًا لكان وإن كان ذا عسرة، ولكنه ابتداء كلام، قال: وإن وقع ذو عسرة فنظرة، كذلك قيل مبتدأ: ولا تقتلوا ذا العهد في عهده، فكان الكلام: ولا يُقتل ذو العهد في عهده، لأنه لو قيل: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا بذي عهد في عهده، لأوجب الكلام أن ذي العهد ليس بكافر، وجعل هذا الرجلُ قوله: لا يقتل مؤمن بكافر حربي (¬٥)، وكيف يجوز أن يقال: لا يقتل مؤمن بكافر حربي (¬٦)، وقد أمر اللَّه تبارك وتعالى بقتلهم وحث عليه، وجعله من أفضل
---------------
(¬١) مالك هذا ليس الإمام ابن أنس، وإنما هو مالك بن محمد بن عبد الرحمن كما عند الدارقطني، يرويه عن عمرة مباشرة.
(¬٢) في الأصل: غلو، وفي مصادر التخريج: عتوًّا.
(¬٣) كذا في الأصل، ولعلها: تتكافؤ.
(¬٤) رواه الدارقطني في سننه برقم ٣٢٤٩، كتاب: الحدود والديات وغيره (ت الأرناؤوط)، والبيهقي في الكبرى برقم ١٥٨٩٦، كتاب: الجراح، باب: إيجاد القصاص على القاتل.
(¬٥) في الأصل: حر، وما أثبته هو المناسب للسياق.
(¬٦) في الأصل: حرفي.

الصفحة 491