كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

خلف الإمام، فتأوّل في حديثٍ لم يُسمَع، وإنما أُخِذ من صَحيفة بتأويلٍ أخطأ فيه (¬١)، ولم نرَ إمامًا من الخاصة والعامة سكت بحد قراءة أم الكتاب سكوتًا يمكن فيه قراءة، وإنما سكت العراقيون بعد التكبيرة الأولى لشيء رَوَوه عن عمر: سبحانك اللهم وبحمدك (¬٢)، وأهل المدينة يُنكرون ذلك ولا يرون سكوتًا أولًا ولا ثانيًا (¬٣).
وقد روى أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في سكتة سكتها في بعض الصلوات: سَكتتك هذه ما هي؟ فقال: "أقول: اللهم بعِّد بيني وبين ذنوبي كما بعَّدت بين المشرق والمغرب, واغسلني بالثلج والماء والبَرَد، ونقِّني من الذنوب كما يُنقّى الثوبُ من الدَّنَس" (¬٤)، وذكر سكتة واحدة، وأحسبها كانت في صلاة واحدة، ولم يقل: سكت لنقرأ.
ثم زعم هذا الرجل أن الإمام يقرأ فيها، فجعل الإمامَ يقرأُ بعد قراءة المأموم، فجعل الإمامَ مأمومًا، وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جُعل الإمام ليؤتَمّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، ولا تكبِّروا حتى يكبِّر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركَع، وإذا قرأ فأنصتوا" (¬٥).
فجعل الشافعيُّ الإمام تابِعًا للمأموم، وقد جعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مَتبوعًا، وكَلَّف الإمامَ ما لا يُطاق من وقفة بعد قراءة فاتحة الكتاب لمن يقرأ، ولعل الجماعة قد
---------------
(¬١) هو الإمام الشافعي كما سيذكر المصنف بعد قليل، انظر: الأم.
(¬٢) رواه مسلم في صحيحه (٢/ ١٢)، كتاب: الصلاة، باب: من قال: لا يجهر بالبسملة.
(¬٣) في المدونة (١/ ٦٢): وكان مالك لا يرى هذا الذي يقول الناس: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك، وكان لا يعرفه.
(¬٤) متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه برقم ٧٤٤، كتاب: الأذان، باب: ما يقول بعد التكبير، ومسلم في صحيحه (٢/ ٩٨)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة.
(¬٥) تقدم.

الصفحة 562