كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

قرؤوا إن كانوا ممن يرى القراءة، وفيهم خفيفُ القراءة وثقيلُ القراءة، فجعل في الصلاة شيئًا لا لعِلَّةٍ ولا يُنتفَع به، ولا عُلِّمناه في صَلاتنا، فجعل الإمامَ يصلّي صلاة خَوفٍ من غير خَوف، بتقدُّم المأموم ببعضِها عليه!
ثم زعم هذا القائل بهذا القول، أن فرض القراءة على المأموم، لأن كل مصلٍّ (¬١) يصلي لنفسه.
ثم زعم أن الفَصيح إذا قرأ فأصاب، ولَحَن إمامُه لحنًا يُزيل المعنى، وهو ممن لا يَلحَن، أن صلاةَ الإمام مجزئة وعلى المأموم الإعادة. ثم قال في الجمعة: لا يقرأ خلف الإمام. ولا أعلم فرقًا بين الجمعة وغيرها من الصلوات!
ثم زعم أن الذِّمِّي إذا أَمَّ مسلِمًا بطلت صلاةُ المسلمِ، فإذا كانت صلاته لنفسه لا تَشارُك فيها، فلِم تَبطل وقد أقامها بسُنَّتها وفرائِضها؟
ثم زعم مع ذلك أنه يجوز أن يصليَ المتطوِّعُ بالمُفترِض، واحتجَّ بأن مُعاذًا -رضي اللَّه عنه- كان يصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فريضَته ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم (¬٢)، فأَوْهَم أن معاذًا كان يصلي فريضته مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم يؤُمُّ قومَه متطَوِّعًا، وليس هذا في الحديث، ولا أدري كيف يجتَرئ على أن يظن فيجعلَه يقينًا، ومعاذ -رضي اللَّه عنه- كان يصلي بقومه قبل أُحُد في أول الهجرة، وشُكِيَ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنه يُطَوِّل، فأمره بقراءة سُوَر قِصار من المفَصَّل.
قال القاضي: والذي عندنا أن معاذًا كان يصلّي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نافلةً ليُدرِك فضْلَ دُعائه عليه السلام، ويصلي الفريضة بقومه، ودعوانا في الحديث أوضح من دعواه.
---------------
(¬١) في الأصل: مصلي.
(¬٢) رواه البخاري في صحيحه برقم ٧٠١، كتاب: الأذان، باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة، ومسلم في صحيحه (٢/ ٤٢)، كتاب: الصلاة، باب: القراءة في العشاء.

الصفحة 563