كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

سُمِّيَ لقوم بأعيانهم، فكان إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمته ووضعه فيما يراه من المسلمين وغيرهم، إذ كان كله له، ومعنى له: يحكم فيه، فيدفع منه إلى المسلمين وغيرهم، ألا تراه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما لي مما أفاء اللَّه عليكم إلا الخمُس، وهو مردود عليكم" (¬١).
ومثل هذا مثل قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: ٩٨]، فذُكِرا في الجملة ثم خُصّا بالذكر، كذلك خَصّ ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وكذلك قال تبارك اسمه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: ١ - ٢]، فجمع كل شيء ثم خَص النفاثات في العقد والحاسد، ومثل هذا كثير في القرآن، فكأنه قيل: للَّه وللرسول فيما يراه من المسمَّين وغيرهم.
وقال محمد بن مَسلمة: ومما يبين ذلك قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يذهب كِسْرى فلا كِسْرى بعدَهُ، وإذا ذهبَ قَيْصرُ فلا قَيْصرَ بعدُ، أمَا والذي نفسي بيده لتُنْفَقَنّ كنوزُهما في سبيل اللَّه (¬٢)، فإذا كانت كنوزهما قد أُخذت عُنوة ومَلَك الجيش أربعة أخماسه، وهل يُنفَق في سبيل اللَّه إلا الخمس، ولم يُسمّ سبيل اللَّه لا في القربى ولا في الخمس، ولكنه كان مما إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وولاة الأمر من بعده وهم المخاطَبون، فبَيَّن عليه السلام واستنّوا به.
ومما يبين أن ذلك إلى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه لم يُذكر في الصدقات، ولم يُعْطِ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- منها إلا من سُمي بحسب الاجتهاد في ذلك.
---------------
(¬١) تقدم.
(¬٢) متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، رواه البخاري في مواطن كثيرة منها رقم ٣١٢٠، كتاب: فرض الخمس، باب: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحلت لكم الغنائم"، ومسلم (٨/ ١٨٧)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة , باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل.

الصفحة 574