كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

ومما يبين ذلك أيضًا، إعطاء المؤلفة السلَبَ، ولو كان مقصودًا على قوم لم يعدل به عنهم.
ومما يبين ذلك أيضًا قوله في القرآن: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: ٧]، جعله إلى الرسول مجمَلًا ثم ردَّه مفرّقًا فقال: {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، فبين أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقسمه فيما يراه من تفضّل وزيادة، لقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، ولو كانت في تلك الوجوه لم يقل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقد حصلت لقوم مُسمَّين.
فإن قال قائل: إن حديث أبي قَتادة يدلُّ على أن السّلَب ليس من الخمس، لأنه لو كان من الخمُس لقومٍ ذكر (¬١) ذلك في الحديث.
قيل له: ليس كل شيء كان ذكر في الحديث، وإنما أتى في الحديث ما يُحتاج إليه، وترك الباقي لمعرفة الناس به، وأنه يفعل ذلك كله فيما جُعل إليه دون ما استحقَّه قومٌ لجهادهم، ألا تراه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشفع إلى الناس في أسارى حنين، وأمر العُرفاء (¬٢) أن يُعرِّفوه أجوبة الناس، ليَعلم أنهم قد أذنوا في ذلك، فجعل إعطاء المؤلفة قلوبهم وحديث أبي قتادة على ما تدلُّ عليه الشواهد والدلائل.
وقد قال ابن عمر بأجود الأسانيد: "وجهنا (¬٣) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعيرًا بعيرًا"، فقد عُلم بهذا أنه نفلهم من الخمس.
---------------
(¬١) في الأصل: وذكر.
(¬٢) العُرَفاء: قال في اللسان (١٠/ ١١١): "جمع عريف، وهو القَيِّم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس، يَلي أمورهم، ويتعرف الأميرُ منه أحوالَهم، فعيل بمعنى فاعل، والعِرافة عملُه".
(¬٣) كذا في الأصل، والصواب: نفلنا.

الصفحة 575