كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

أما بعد، فإن أولى ما تمسَّك به المتمسِّكون، وتدبَّره المتدبِّرون، واتمَّ به المهتدون، ولجأ إليه المعتبرون، كتابُ اللَّه الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢] الذي أكمل اللَّه به الدين، وأنزل اللَّه سبحانه في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ١٣] وقال تبارك اسمه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨]، وقال: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩]، فأحكم اللَّه جل جلاله الفرائض والأحكام والأصول كلها فيه جليًا وخفيًا.
فمنه ما يُعقل بنفس الخطاب، قال اللَّه تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [فصلت: ٣ - ٤].
ومنه ما بيَّنه اللَّه عزَّ وجل بالوحي وهو الخفي، ألا تراه يقول: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩]، وقال: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤]، فسأل نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- ربَّه تبارك وتعالى عن بيانه فبيَّنه له.
ومنه ما بيَّنه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحكمة التي أعطاه اللَّه، يقول اللَّه عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤]، وقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].
ومنه ما شرَّف اللَّه به أصحاب نبيِّه بمشاهدتهم الأسباب التي نزل القرآن من أجلها، وسُنَّتِ السُّنن بحضرتهم عملًا وقولًا، فكانوا بالمشاهدة أعلم الخلق

الصفحة 66