كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِه" (¬١)، فجعلهم بالتأمين مشاركين للإمام في قراءته ودعائه، ألا ترى اللَّه عز وجل قال: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}، قال اللَّه تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٨ - ٨٩]، وإنما دعا موسى وأمَّن هارون فصارا داعِيَيْن، فلما أُمرنا بالإنصات عُوِّضْنا التأمينَ رحمة من اللَّه لنا، ألا ترى أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- يقول: "فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (¬٢).
فأما قول أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "اقرأ بها في نفسك يا فارسي" (¬٣)، فإنما أمره بها في الصلاة التي يُخافَت فيها.
والقراءة في النَّفْس عَرْضٌ على القلب، ليُشْغِل النَّفْسَ عن الوسوسة بعرضه القرآنَ عليها من غير أن ينطق به اللسان.
فإن احتج محتج أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من أم الكتاب لأنها مثْبَتة في المصحف، قيل له: فقل: إنها من كل سورة، ولم يَقُله أحد تَقَدَّم، فإن حَمَل نفسَه على قوله فقال: آية من كل سورة لأنه مُثْبَت في أوائل السور.
---------------
(¬١) متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، رواه مالك في الموطأ برواية يحيى من طرق وبألفاظ متعددة، كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التأمين خلف الإمام، ومثله البخاري، في كتاب الأذان، أبواب جهر الإمام بالتأمين، وفضل التأمين، وجهر المأموم بالتأمين، ومسلم في الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين.
(¬٢) رواه أبو داود برقم ٨٢٢، كتاب الصلاة، باب: من رأى القراءة إذا لم يجهر، وفي نسخ أخرى: باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام، والنسائي برقم ٩١٩، كتاب الاستفتاح، باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به.
(¬٣) من حديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي. . . "، تقدم تخريجه قريبًا.

الصفحة 72