كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

قيل له: القرآن ليس يؤخذ بالروايات، ولو أخذ بالروايات لأدخل أهلُ الزَّيغْ فيه شيئًا كثيرًا، وإنما يؤخذ بالإجماع وأخذِ الكافّة عن الكافّة، فما أجمعوا عليه مما بين الدَّفَّتَين أنه قرآن فهو قرآن، وما اختلفوا فيه فليس من القرآن، إذ تَضَمَّن اللَّه عز وجل لنا حِفْظَ القرآن علينا، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، فهو ما حَفِظَ اللَّهُ بالكافَّة علينا دون ما اختُلف فيه، فقد نجد بين الدفتين ما ليس من القرآن من قولهم: سورة كذا كذا وكذا آية.
وإنما كان نزَّل {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليفصل به بين السّوَر، فخرج هذا مع تسمية السُّوَر عن أن يكون قرآنًا، إذ لا إجماعَ عليه فيكون مما حفظه اللَّه علينا.
واحتجاجُهم بأنها في الصحف عليهم، لأن كُتّاب المصاحف كُلَّهم قد ذكروا العدد فأخرجوها من كل سورة، والقراء كُلُّهم عَدّوا في التلاوة فأخرجوها من العدد، والحجة في ذلك تطول وقصدُنا الاختصار.
والقرآن: اسم كتاب اللَّه، لا يسمى به غيره، وسمي أيضًا الفرقان، لأنه يُفَرِّق بين الحق والباطل، وبين المؤمن والكافر، لأنه جمع السور، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى، فلما قرن بعضها إلى بعض سمي قرآنًا، وسمي سورة، فمنهم من يقول: منزلة شرف، ومنهم من يقول: قطعة من القرآن. قال النابغة الذبياني:
ألم تَرَ أن اللَّه أعطاك سورة ... تَرَى كل ملك دونها يتذبذب (¬١)
وقال الراعي:
---------------
(¬١) ديوان النابغة (ص ٧٣).

الصفحة 73