كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

والمرتد هو المظهر لكفره، فهذا يستتاب، ألا ترى اللَّهَ لم تبارك وتعالى لم يجعل التوبة للسارق والزاني بمُسقط عنهما الحدَّ، وجعل التوبة للمحارب مسقطة للحد فقال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤].
فلما كان الزاني والسارق يَسْتَسِرّان بفعلهما لم يجز العفو عن حدِّهما، وجاز العفو عن من أظهر فعله، لأن المُسْتَسِرَّ بفعله تأسِره البيِّنة، فلو جعلت له التوبة لكان يقولها من غير نية، ولو أرادها لأتى قبل أن يُؤْسَر فقال: كنتُ على كذا وقد تُبْت، فيكون كأنه رجل كفر وأظهر كفره.
وإنما توبته بعد الأسر إرادةُ إزالة الحد عن نفسه، ألا ترى اللَّه عز وجل إذ يقول: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: ٨٥] فلو قُبِلت توبته كثرت الزنادقة، وأمنوا العقوبة بكلمة يقولها إذا رأى السيف، ثم يعود مُسْتَسرًّا بفعله، والمظهر لكفره لا يعود لإظهاره إذ لنا من الناس ما ظهر، ولذلك ما قال مالك -رضي اللَّه عنه- إن القاتل غِيلة لا سبيل إلى العفو عنه.
فإن قال قائل: ليس في الآية ما يوجب القتل على الساحر.
قيل له: قِلَّة تبحرك في العلم، وتركك لتدبر ما أنزل اللَّه عز وجل أورثك هذا.
قال اللَّه تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: ١١١]، وقال النبي

الصفحة 79