كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 1)

بالأمارة فإنه كان لا يؤذن للصبح حتى يقال له أصبحت أصبحت كما رواه البخاري
ويؤخذ من ذلك ما جرت به العادة من أن المؤذنين لا يعرفون الوقت ولكن ينصب لهم مؤقت يخبرهم بالوقت أن ذلك يكفي كما قاله بعض المتأخرين
ولو أذن جاهلا بدخول الوقت فصادفه اعتد به بناء على عدم اشتراط النية وبهذا فارق التيمم والصلاة ويؤخذ من ذلك أن الخطبة كالأذان بناء على ما ذكر
( ويكره ) الأذان ( للمحدث ) حدثا أصغر لخبر كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة رواه أبو داود وغيره وقال في المجموع إنه صحيح ولأنه يدعو إلى الصلاة فليكن بصفة من يمكنه فعلها وإلا فهو واعظ غير متعظ
وقضيته أنه يسن له التطهر من الخبث أيضا
( و ) الكراهة ( للجنب أشد ) منها للمحدث لأن الجنابة أغلظ
( والإقامة ) من كل منهما ( أغلظ ) أي أشد كراهة من الأذان لقربها من الصلاة
وقضية كلامه كأصله أن كراهة إقامة المحدث أغلظ من كراهة أذان الجنب والمتجه كما قال الإسنوي تساويهما
وتقدم أن الحيض والنفاس أغلظ من الجنابة فتكون الكراهة معهما أغلظ من الكراهة مع الجنابة
فإن قيل يرد على ذلك المتيمم ومن به نحو سلس بول وفاقد الطهورين فإن الصلاة مطلوبة منهم ولا يقال إنه يكره لهم الأذان أو الإقامة
أجيب بأن المراد بالمحدث أو الجنب من لا تباح له الصلاة
ويجزيء أذان وإقامة مكشوف العورة والجنب وإن كان في مسجد لأن المراد حصول الإعلام وقد حصل والتحريم لمعنى آخر وهو حرمة المسجد وكشف العورة
ولو حصل له حدث ولو أكبر في أثناء ذلك استحب إتمامه ولا يستحب قطعه ليتوضأ لئلا يوهم التلاعب فإن تطهر ولم يطل زمنه بنى والاستئناف أولى
( ويسن ) للأذان مؤذن حر لأنه أكمل من غيره
( صيت ) أي عالي الصوت لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر عبد الله بن زيد ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا أي أبعد ولزيادة الإبلاغ
( حسن الصوت ) ليرق قلب السامع ويميل إلى الإجابة ولأن الداعي أن يكون حلو المقال
وروى الدارمي وابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان
( عدل ) ليقبل خبره عن الأوقات ويؤمن نظره إلى العورات
ويكره أذان فاسق وصبي وأعمى ليس معه بصير يعرف الوقت لأنه ربما غلط في الوقت ولأنه يفوت على الناس فضيلة أول الوقت ولذلك استحب كونه عالما بالمواقيت
فروع يكره تمطيط الأذان أي تمديده والتغني به أي التطريب
ويسن أن يكون المؤذن من ولد مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم كبلال وابن أم مكتوم وأبي محذورة و سعدالقرظي فإن لم يكن فمن أولاد مؤذني أصحابه فإن لم يكن أحد منهم فمن أولاد الصحابة ذكره في المجموع
ويكره الركوب فيه للمقيم لما فيه من ترك القيام المأمور به بخلاف المسافر لا يكره إذ أنه راكبا للحاجة إلى الركوب في السفر فإن أذن ماشيا أجزأه إن لم يبعد عن مكان ابتدائه بحيث لا يسمع آخره من يسمع أوله وإلا لم يجزه ويندب أن يتحول من مكان الأذان للإقامة ولا يقيم وهو يمشي
ويسن أن يفصل المؤذن والإمام بين الأذان والإقامة بقدر اجتماع الناس في مكان الصلاة وبقدر أداء السنة التي قبل الفريضة ويفصل بينهما في المغرب بنحو سكتة لطيفة كقعود لطيف لضيق وقتها ولاجتماع الناس لها قبل وقتها عادة وعلى ما صححه المصنف من أن للمغرب سنة قبلها يفصلها بقدر أدائها أيضا
( والإمامة أفضل منه ) أي الأذان ( في الأصح ) لمواظبته صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله تعالى عنهم عليها ولأن القيام بالشيء أولى من الدعاء إليه
واختار هذا السبكي مع قوله إن السلامة في تركها ونقل في الإحياء عن بعض السلف أنه قال ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين لأنهم قاموا بين الله وبين خلقه هؤلاء بالنبوة وهؤلاء بالعلم وهؤلاء بعماد الدين
( قلت الأصح أنه ) أي الأذان ( أفضل منها والله أعلم ) لقوله تعالى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله } قالت عائشة رضي الله تعالى عنها هم المؤذنون ولخبر إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله رواه الحاكم وصحح إسناده ولدعائه صلى الله عليه وسلم له بالمغفرة وللإمام بالإرشاد والمغفرة أعلى من الإرشاد كما قاله الرافعي
وقال الماوردي دعا
____________________

الصفحة 138