كتاب زاد المسير في علم التفسير (اسم الجزء: 1)

الآية: إِذا قدم الموصى إِليهما بتركة المتوفي، فاتهمهما الوارث، استحلفا بعد صلاة العصر: أنهما لم يسرقا، ولم يخونا. فالشرط في قوله: «إِن ارتبتم» متعلق بتحبسونهما، كأنه قال: إِن إِرتبتم حبستموهما فاستحلفتموهما، فيحلفان بالله: لا نَشْتَرِي بِهِ أي: بأيماننا، وقيل: بتحريف شهادتنا، فالهاء عائدة على المعنى. ثَمَناً أي: عرضاً من الدنيا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى أي: ولو كان المشهود له ذا قرابة منا، وخصّ ذا القرابة، لميل القريب إِلى قريبه. والمعنى: لا نحابي في شهادتنا أحداً، ولا نميل مع ذي القربى في قول الزور وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنما أُضيفت إِليه، لأمره بإقامتها، ونهيه عن كتمانها، وقرأ سعيد بن جبير: «ولا نكتم شهادةً» بالتنوين «الله» بقطع الهمزة وقصرها، وكسر الهاء، ساكنة النون في الوصل. وقرأ سعيد بن المسيب، وعكرمة «شهادة» بالتنوين والوصل منصوبة الهاء. وقرأ أبو عمران الجوني «شهادة» بالتنوين وإِسكانها في الوصل «الله» بقطع الهمزة وقصرها مفتوحة الهاء، وقرأ الشعبي وابن السميفع «شهادة» بالتنوين وإِسكانها في الوصل «الله» بقطع الهمزة، ومدّها، وكسر الهاء. وقرأ أبو العالية، وعمرو بن دينار مثله، إِلاّ أنهما نصبا الهاء.
واختلف العلماء لأي معنىً وجبت اليمين على هذين الشاهدين، على ثلاثة أقوال: أحدها:
لكونهما من غير أهل الإسلام، روي هذا المعنى عن أبي موسى الأشعري. والثاني: لوصيّةٍ وقعت بخط الميِّت وفَقَدَ ورثتُهُ بعضَ ما فيها، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: لأن الورثة كانوا يقولون:
كان مال ميِّتنا أكثر، فاستخانوا الشاهدين، قاله الحسن، ومجاهد.

[سورة المائدة (5) : آية 107]
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)
قوله تعالى: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً. قال المفسرون:
(484) لما نزلت الآية الأولى، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عديًّا وتميماً، فاستحلفهما عند المنبر: أنهما لم يخونا شيئاً مما دفع إِليهما فحلفا، وخلَّى سبيلهما، ثم ظهر الإِناء الذي كتماه، فرفعهما أولياء الميّت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً.
ومعنى «عثر» : اطّلع أي: إِن عثر أهل الميت، أو مَن يلي أمره، على أن الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا اسْتَحَقَّا إِثْماً لميلهما عن الاستقامة في شهادتهما فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما أي:
مقام هذين الخائنين مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: «استُحِق» بضم التاء، الْأَوْلَيانِ على التثنية. وفي قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ قولان: أحدهما: أنهما الذمّيان. والثاني: الوليّان.
فعلى الأول في معنى اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ أربعة أقوال: أحدها: استحق عليهم الإِيصاء، قال ابن الأنباري: المعنى: من القوم الذين استحق فيهم الإِيصاء، استحقه الأوليان بالميت، وكذلك قال
__________
عزاه المصنف للمفسرين، وأصله محفوظ بما تقدم سوى لفظ «عند المنبر» فهذا لم يرد في شيء من الروايات الصحيحة الموصولة بل ولا المرسلة، فهو واه.

الصفحة 597