كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (اسم الجزء: 1)

(فصل) الوضاعون أَصْنَاف
(الصِّنْف الأول) الزَّنَادِقَة وهم السَّابِقُونَ إِلَى ذَلِك والهاجمون عَلَيْهِ، حملهمْ على الْوَضع الاستخفاف بِالدّينِ والتلبيس على الْمُسلمين، كَعبد الْكَرِيم بن أبي العوجاء وَمُحَمّد بن سعيد المصلوب والْحَارث الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان، والمغيرة بن سعيد الْكُوفِي، حَتَّى قَالَ حَمَّاد بن زيد: وضعت الزَّنَادِقَة على النَّبِي أَرْبَعَة عشر ألف حَدِيث رَوَاهُ الْعقيلِيّ، وَقَالَ ابْن عدي: لما أَخذ ابْن أبي العوجاء وَأتي بِهِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ فَأمر بِضَرْب عُنُقه قَالَ: وَالله لقد وضعت فِيكُم أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث أحرم فِيهَا الْحَلَال وَأحل فِيهَا الْحَرَام، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد كَانَ من هَؤُلَاءِ من يتغفل الشَّيْخ فيدس فِي كِتَابه مَا لَيْسَ من حَدِيثه فيرويه ذَلِك الشَّيْخ ظنا مِنْهُ أَنه من حَدِيثه.
(الصِّنْف الثَّانِي) أَصْحَاب الْأَهْوَاء والبدع وضعُوا أَحَادِيث نصْرَة لمذاهبهم أَو ثلبا لمخالفهم، روى ابْن أبي حَاتِم فِي مُقَدّمَة كتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل عَن شيخ من الْخَوَارِج أَنه كَانَ يَقُول بعد مَا تَابَ: انْظُرُوا عَمَّن تأخذون دينكُمْ فَإنَّا كُنَّا إِذا هوينا أمرا صيرنا لَهُ حَدِيثا وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: كَانَ مُحَمَّد بن الْقَاسِم الطَّالقَانِي من رُؤَسَاء المرجئة يضع الحَدِيث على مَذْهَبهم، وَحكى ابْن عدي أَن مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي بِالْمُثَلثَةِ وَالْجِيم كَانَ يضع الْأَحَادِيث الَّتِي ظَاهرهَا التجسيم وينسبها إِلَى أهل الحَدِيث يقْصد الشناعة عَلَيْهِم لما بَينه وَبينهمْ من الْعَدَاوَة المذهبية، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقُرْطُبِيّ صَاحب الْمُفْهم: استجاز بعض فُقَهَاء أهل الرَّأْي نِسْبَة الحكم الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْقيَاس إِلَى رَسُول الله نِسْبَة قولية فَيَقُول فِي ذَلِك: قَالَ رَسُول الله كَذَا، وَلِهَذَا ترى كتبهمْ مشحونة بِأَحَادِيث تشهد متونها بِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لِأَنَّهَا تشبه فَتَاوَى الْفُقَهَاء وَلِأَنَّهُم لَا يُقِيمُونَ لَهَا سندا.
(الصِّنْف الثَّالِث) قوم اتَّخذُوا الْوَضع صناعَة وتسوقا جَرَاءَة على الله وَرَسُوله حَتَّى إِن أحدهم ليسهر عَامَّة ليله فِي وضع الحَدِيث كَأبي البخْترِي وهب بن وهب القَاضِي وَسليمَان ابْن عَمْرو النَّخعِيّ وَالْحُسَيْن بن علوان واسحق بن نجيح الْمَلْطِي، ذكر ذَلِك الامام أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي مُقَدّمَة كِتَابه الضُّعَفَاء والمجروحين.

الصفحة 11