كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

حصولها لدى الناقد أو يسره بحسب اختلاف مضامينها، في ضوء إجراءات وآليات التعامل معها، فالاختلاف في الإجراءات والآليات والوسائل في كل تلك المضامين اختلاف وسائل لتحقيق الغاية.
وهذا النظر العقلي الدقيق هو أحد الدعائم الكبرى التي تأسس عليها منهج المحدثين في نقد الأخبار المروية عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بَلْهَ بقية الأخبار، وصوَّرَتْه بدقة عباراتهم المشهورة من نحو قول ابن مهدي في العبارة المشهورة: "إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال؛ تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام؛ تشدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال" (¬١)، ومن نحو ما نقله عبدة بن سليمان عن ابن المبارك لما قيل له -وقد روى عن رجل حديثًا-: هذا رجل ضعيف، فقال: "يحتمل أن يروى عنه هذا القدر، أو مثل هذه الأشياء". قال أبو حاتم الرازي: قلت لعبدة: مثل أي شيء كان؟ قال: "في أدب، في موعظة، في زهد، أو نحو هذا" (¬٢)، ومن نحو قول سفيان: "لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ" (¬٣)، وقوله: "بما سوى ذلك"؛ يعني: بما سوى الحلال والحرام (¬٤)، وقول الخطيب البغدادي: "وينبغي للمحدِّث أن يتشدد في أحاديث الأحكام التي يفصل بها بين الحلال والحرام؛ فلا يرويها إلا عن أهل المعرفة والحفظ وذوي الإتقان والضبط، وأما الأحاديث التي تتعلق بفضائل الأعمال وما في معناها فيحتمل روايتها عن عامة الشيوخ" (¬٥).
فظاهر جدًّا من هذه النّقول أن المدار على مضمون الخبر وموضوعه (الحلال والحرام، الأحكام، فضائل الأعمال، موعظة، أدب)؛ ولذا فالتفاوت الحاصل في معاملة المرويات تشددًا وتساهلًا، وكذا التفاوت الحاصل في النظر للرواة بتمرير
_________
(¬١) رواه الحاكم في المستدرك ١/ ٦٦٦.
(¬٢) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٢/ ٣٠، ٣١.
(¬٣) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ١/ ١٣٤.
(¬٤) وهذا ظاهر جدًّا من عبارته، وأوضحته بجلاء روايات أخرى؛ منها ما أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل عن ٤٠٦ بلفظ: "خذ الحلال والحرام من المشهورين في العلم، وما سوى ذلك فمن المشيخة".
(¬٥) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ٢/ ٩١.

الصفحة 510