كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

النقدية للأئمة في كل رواية دون تحقيق مناطات تلك الأوصاف وتنقحيها والخبرة بكيفيات تطبيقها!
قال الخليلي: "وإذا أُسنِدَ لك الحديث عن الزهري وعن غيره من الأئمة فلا تحكم بصحته بمجرد الإسناد، فقد يخطئ الثقة" (¬١).
وقال أبو الوليد الباجي: "وقد يكون الحديث يرويه الثقة عن الثقة ولا يكون صحيحًا؛ لعلة دخلته من جهة غلط الثقة فيه، وهذه الوجوه كلها لا يعرفها إلا من كان من أهل العلم بهذا الشأن وتتبع طرق الحديث واختلاف الرواة فيه، وعرف الأسماء والكنى (¬٢).
فكلامهم ظاهر جدًّا في أن نظر الناقد متجه للخطأ من حيث تسربه للخبر أو انتفائه عنه لا لذات الثقة ولا لذات الضعيف؛ لكون الحكم النقدي لا بد أن يكون مؤسسًا على شيء ثابت؛ وهو الجزم بانتفاء الخطأ أو الجزم بوقوعه، وهذا لا يكفي فيه مجرد كون الراوي من حيث الأصل ثقة أو ضعيفًا لما يلي:
أ- أن التوثيق لا يعني العصمة من الخطأ، والتضعيف لا يمنع من إصابة الصواب.
ب- أن الرواة بَشَرٌ تعتريهم مجموعة من العوامل والعوارض الزمانية والمكانية والعلمية وغيرها، التي تجعل رواياتهم تتفاوت صعودًا ونزولًا، قوة وضعفًا، ضبطًا ووهمًا، فمنهم من يعتريه الخطأ لكِبَر سنِّه أو لمرضٍ لحقه أو لاختلاطِ عقله أو لضياعِ كتبه أو لتميزه في حديث بلدٍ دون بلدٍ أو شيخٍ دون شيخ أو لروايته عن شيخٍ في وقتٍ أو حالٍ لم يقبل أهل العلم فيه رواية شيخه، أو لغير ذلك من العوامل والعوارض.
ولما كان الحكم على الرواة يكتنفه جَانِبَا العدالة والضبط؛ نظر النقاد إلى جانب العدالة فردوا أحاديث كل من سقطت عدالته؛ وكان على رأس هؤلاء:
• من عُرِفَ بالكذب في روايته؛ فردوا روايته ولم يعتبروها في شيء من أمور الدين، قال البيهقي في معرض تصنيفه للرواة مقررًا ذلك: ". . . وَضَرْبٌ رواه من كان معروفًا بوضع الحديث والكذب فيه؛ فهذا الضّرب لا يكون مستعملًا في شيء
_________
(¬١) الإرشاد للخليلي ١/ ٢٠١.
(¬٢) التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح ١/ ٢٩٧.

الصفحة 513