كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

وقول يحيى بن سعيد: "تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثِّقونهم في الحديث، ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيْم، وجُوَيْبِرَ بن سعيدٍ، والضَّحَّاك، ومحمد بن السائب. وقال: هؤلاء لا يُحْمَدُ أَمْرُهم، ويكتب التفسيرُ عنهم" (¬١).
وبتأمل نصوص تلك النقول السابقة يظهر ما يلي:
١ - أن مدار العبارات الواردة عنهم في التشدد والتساهل على الألفاظ التالية: "خذوا هذه الرغائب عن - فيُكتَب - يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام - فيحتمل روايتها - فيلزم كتبه ويجب حفظه - يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كل - والفضائل تُروى عن كل أحد - أحاديث الفضائل تسامح العلماء قديمًا في روايتها عن كل".
فأكثر العبارات الواردة عنهم اقترن التساهل فيها بألفاظ (الأخذ - الرواية - الكتابة - الحفظ)؛ وكلها ألفاظ صريحة في دلالتها على مجرد الرواية، وليس في رواية منها التصريح المطلق بقبول تلك الروايات وجعلها حجة؛ بل غاية ما هنالك تجويز روايتها وكتابتها بالقدر الذي أشارت إليه ألفاظ الأئمة.
وقد بَيّن المعلمي اليماني ذلك بقوله: "معنى التساهل في عبارة الأئمة هو التساهل بالرواية؛ كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح، أو قريب من الصحيح، أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده؛ فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة، ومنهم من إذا وجد الحديث غير شديد الضعيف وليس فيه حكم ولا سُنَّة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك؛ لم يمتنع من روايته، فهذا هو المراد بالتساهل في عباراتهم" (¬٢)، وزاد ذلك إيضاحًا فقال: "والذي أراه أن تشديد ابن مهدي هو أنه كان يتأمل الحديث الذي قد سمعه؛ فإن كان في العقائد والأحكام بدأ فنظر في إسناده ومتنه، فإذا تبين له أن الحديث شديد الضعف بحيث لا يصلح للحجة ولا للاعتبار لم يروه أصلًا، فإن اضطر لروايته بيّن ضعفه، وإن كان الحديث في غير العقائد والأحكام؛ رواه ما لم يَعْلَمْ أنه موضوع، فإذا علم أنه موضوع لم يروه أصلًا؛ فإن اضطر إلى روايته بيّن وضعه. فهذا الصنيع هو الذي ينطبق على ما نجده في الكتب عن ابن مهدي والإمام أحمد
_________
(¬١) دلائل النبوة للبيهقي ١/ ٣٦.
(¬٢) الأنوار الكاشفة ص ٨٧، ٨٨.

الصفحة 519