كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

وأكثر الأئمة" (¬١)، وتجد ذلك جليًّا في مثل ما ذكره ابن حجر عن صنيع البخاري في صحيحه مع مرويات فليح بن سليمان بقوله: "ولم يخرج البخاري من حديثه في الأحكام إلا ما توبع عليه، وأخرج له في المواعظ والآداب وما شاكلها طائفة من أفراده" (¬٢).
٢ - أن التشدد والتساهل في عباراتهم مقيد بقيدين متلازمين:
الأول: مضمون الخبر: ذلك أن المرويات تتفاوت بحسب موضوعاتها ومضامينها؛ فيعتمد التشدد في الأحكام العلمية والعملية (العقائد والحلال والحرام)، ويعتمد التساهل في الأبواب المتعلقة بالترغيب والترهيب والفضائل والمواعظ والآداب.
الثاني: مرتبة الرواة في الجرح: فيجوزون رواية وكتابة ما كان من قبيل الترغيب والترهيب والفضائل والآداب والمواعظ عن الرواة الذين هم دون الثقات وفوق المتروكين والكذّابين؛ وهم الرواة الذين وصفهم بعض الأئمة بـ "المشايخ"، ومَن تتبع النص المتقدم عن ابن أبي حاتم في تمييز الرواة ومراتبهم سيظهر له أن ابن أبي حاتم جعل مآل الرواة إلى ثلاثة أحوال:
أ- مَنْ يحتج بحديثه غالبًا.
ب- مَنْ يُكتَبُ حديثُه.
ج- مَنْ يُترك حديثه جملة.
والتساهل يكون مع أهل الطبقة الثانية الذين لم تتحقق فيهم شروط الاحتجاج، ولم يصلوا إلى درجة الترك؛ فالراوي من هذه الطبقة كما قال ابن أبي حاتم: "يُكتَبُ من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام"، وهذا التلازم الظاهر في عبارات الأئمة بين مضمون الروايات ومراتب الرواة يعني أن التساهل لا يحصل بمجرد كون الرواية متعلقة بأبواب الترغيب والترهيب والفضائل، ولا بمجرد وجود الرواة المتساهل معهم؛ بل التساهل متخلق من المزواجة بينهما.
٣ - أن تجويز رواية وكتابة هذه الطبقة من الرواة فيما سوى العقائد والأحكام
_________
(¬١) أحكام الحديث الضعيف للمعلمي اليماني ضمن مجموع الرسائل الحديثية عن ١٧٢، ١٧٣.
(¬٢) فتح الباري ١/ ١٤٢.

الصفحة 520