كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

في التعامل مع المرويات، وإهماله وإغفاله موقع في الخطأ والخلل؛ ذلك أن نشاط الرواة في حفظ الأسانيد وضبطها لم يكن على درجة واحدة في كل المرويات، بل تفاوت اهتمامهم باختلاف دوافعه ومنطلقاته ومؤثراته، والتي يمكن رصد أبرزها فيما يلي:
أولها: قائل الخبر: تفاوت نشاط الرواة بحسب قائل الخبر وجلالته، ولذا كان معظم نشاطهم في ضبط الأسانيد وحفظها وروايتها متجهًا إلى تحقيق الغاية التي من أجلها كان الإسناد وهو ضبط المنقول عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة، وتمييز الثابت من غير الثابت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن عليه مدار الدين، وقيام مصالح العباد، وضبط أحكام المعاش والمعاد، بخلاف غيره، ولم يكن نشاطهم لحفظ المروي عن سواه كنشاطهم لحفظ المروي عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يعني ذلك أن ما سواه ضاع كله فلم يحفظ؛ وإنما المراد أن كثيرًا من الرواة صرفوا جلّ اهتمامهم إلى المرفوع خاصة، وقل اهتمامهم بما دونه، ومن دلائل ذلك ما رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسنده عن صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا والزهري، ونحن نطلب العلم، فقلت: نكتب السنن؛ فكتبنا ما جاء عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه؛ فإنه سُنَّة، فقلت له: إنها ليس بسُنَّة، فلا نكتبه، قال: فكتبه، ولم نكتبه، فأنجح، وضيعنا" (¬١).
ثانيها: مضمون الخبر: تفاوت اهتمام الرواة في نقل الأخبار وضبط أسانيدها ومتونها بحسب مضمونها؛ فصرفوا جُلّ اهتمامهم إلى حفظ وضبط ما به يحفظ الدين، وَتَبِينُ به معالمه، وَتُضْبَطُ أصوله، وَتُحفظ به حدوده، وَتُصان به حقوق المجتمعات والأسر والأفراد؛ ولذا قال أبو الزناد: "كنا نكتب الحلال والحرام، وكان الزهري يكتب كل ما سمع؛ فلما احتيج إليه علمتُ أنه أعلم الناس" (¬٢).
ثالثها: مدى الحاجة إلى الخبر: نشاط الرواة كان مبنيًّا على الاهتمام بما كثرت حاجتهم إليه؛ لا بما كان حاصلًا عندهم ومتحققًا ومشتهرًا.
وإذا كانت الحاجة عمومًا هي الدافع للعمل والمحفز للنشاط والحركة؛ فإن العلم وحفظه وتفاوت الاهتمام بفروعه مرتبط بذلك الأمر الفطري، ولذا فقد حفظت الأمة في مجموعها ما تقوم به الشريعة في كافة فروع العلم المرتبطة بها؛ إلا أن هذا
_________
(¬١) تاريخ أبي زرعة ص ٤١٢.
(¬٢) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ٢/ ١٨٨.

الصفحة 532