كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

فقط" (¬١)، فالخطأ الواقع هنا مأمون جانبه؛ لأنه يظهر بطلانه وخطؤه للصغير والكبير والعالم والجاهل.
وبناء على ذلك فمن تطلب في هذه الأبواب أعلى الأسانيد وأجودها، أو ابتغى أن يكون معظم رواتها من حذاق الحفاظ وكبار الثقات كما هو الحال في العقائد والأحكام فلن يرجع من ذلك بشيء؛ لأن تطلب مثل ذلك سعي وراء سراب، وتسربل بالخيال، لا لشيء سوى أنه يجافي واقع العلوم وطبيعتها، ولا يراعي نشأتها ومنبتها، ولا ينتبه لتطورها وسيرها، ولا يقف على الدوافع التي نشَّطت حركة الضبط والرواية في بعضها، ولا الموانع التي منعت ذلك في بعضها، ولا يعترف بتعدد معايير القبول والرد وتباينها بين كل هذه العلوم.
وأحسب أن عبارة الإمام أحمد المشهورة: "ثلاثة ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي" (¬٢) بحاجة في ضوء ما تقدم إلى النظر إليها من زاوية مختلفة؛ فقد غلب على كثير من الدراسات المعاصرة نقل الاختلاف فيها بين كونها مرادًا بها المرفوع أو مرادًا بها كتب مخصوصة، كما اعتمدها البعض تكأة لقبول كل ما يروى في التفسير والمغازي والملاحم دون تدقيق ونظر باعتبار أن كل ما فيها ضعيف؛ لكن البحث هنا يلفت النظر إلى أهمية فقه الغاية المقصودة من تلك العبارة وعدم التوقف عند مجرد معناها.
وأحسب أن الغاية من تلك العبارة هي الإخبار عن وإقع هذه العلوم وطبيعتها، وأن لها نمطًا خاصًّا في التعامل معها يباين بقية المرويات، وأنه لا يمكن انفكاكها عن هذا الواقع، ولا يمكن انفكاك التعامل معها تصحيحًا وتضعيفًا عن هذا الواقع، وتأيَّد هذا عندي بالسياقات التي أورد ابن تيمية فيها تلك العبارة في مواطن مختلفة؛ فمن ذلك قوله: ". . . فالمقصود أن المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب اللَّه الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره، ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الامام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي. ويروى: ليس لها أصل؛ أي: إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل، مثل ما يذكره عروة بن الزبير والشعبي والزهري وموسى بن
_________
(¬١) دلائل النبوة للبيهقي ١/ ٣٧.
(¬٢) رواه ابن عدي في الكامل ١/ ١١٩، وعنه الخطيب البغدادي في الجامع ٢/ ١٦٢، وفي رواية عنه: "ثلاثة لا أصل لها".

الصفحة 534