كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

سلفت الإشارة إليه؛ فعلم التفسير يغلب على منقولاته الضعف، والضعف منصب على الرواية لا على المعنى، ومعظم هذه المعاني صحيحة في الجملة؛ بل أحيانًا لا يمكن تفسير الآية بدونها، وكذا كثير منها وإن لم يثبت عن قائل بعينه فهو ثابت عن السلف، وكذا يستحيل أن ترتفع مروياته إلى درجات مرويات العقائد والأحكام، فتجريد التفسير من الأسانيد الضعيفة ذات المعاني الصحيحة إهدار لتلك المعاني، وهدم للتفسير، وعدم اعتبار للغالب عليه، وإلغاء لمقاييسه، واستبدال لها بمقاييس أخرى، ومجافاة لطبيعته التي ينبغي أن يعامل على وفقها ووزانها، ولم يكن هذا الصنيع من مناهج الأئمة الذين كانت لهم دراية بأصول الحديث والتفسير، وهم المرجوع إليهم، والمعوّل عليهم في مثل هذا، وصنيعهم حجة على من جاء بعدهم، فلماذا لا يسعنا ما وسعهم؟ !
الثالثة: التفريق بين رواية الراوي ورأيه؛ ينبغي التفريق بين رواية الراوي ورأيه، فهناك فرق بين أن يكون الراوي ناقلًا للتفسير، وبين أن يكون مفسرًا؛ ففي حال النقل والرواية قد يؤثر ضعفه على روايته ونقله؛ لكنه في حال كونه مفسرًا لا يؤثر جرحه على رأيه في التفسير "فالتفريق بين الحالين هو الصواب، فتضعيف مفسّر من جهة الرواية لا يعني تضعيفه من جهة الرأي والدراية؛ لذا يبقى لهم حكم المفسرين المعتبرين، ويحاكم قولهم من جهة المعنى، فإن كان فيه خطأ رُدَّ، وإن كان صَوَابًا قُبِلَ.
وإذا تأمَّلتَ هذه المسألة تأمُّلًا عقليًّا؛ فإنَّه سيظهر لك أنَّ الرأي لا يوصف بالكذب إنما يوصف بالخطأ، فأنت تناقش قول فلان من جهة صحته وخطئه في المعنى، لا من جهة كونه كاذبًا أو صادقًا؛ لأن ذلك ليس مقامه، وهذا يعني أنَّك لا ترفضُ هذه الآراء من جهة كون قائلها كذابًا في الرواية، إنما من جهة خطئها في التأويلِ. . . وغياب هذه القضية يوقع في أمرين:
الأول: طرح آراء هؤلاء المفسرين، وهم من أعلام مفسري السلف.
الثاني: الخطأ في الحكم على السند الذي يروى عنهم؛ فيحكم عليه من خلال الحكم عليهم، وهم هنا ليسوا رواة فيجري عليهم الحكم، بل القول ينتهي إليهم، فأنت تبحث في توثيق من نقل عنهم" (¬١) لا في حالهم هم.
فكون الشخص ضعيفًا في الرواية لا يعني عدم قبول أقواله في التفسير؛ إذ ضعفه مختص بروايته لا برأيه.
_________
(¬١) مقالات في علوم القرآن ص ٣٠٥، ٣٠٦.

الصفحة 548