كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

* القرينة الخامسة: كون الرواية من نسخة معروفة:
لقد كان التفسير من أوائل العلوم التي حظيت بالكتابة والتدوين؛ فقد كانت كتابته في وقت مبكر جدًّا، بخلاف بعض العلوم التي تأخر تدوينها، فعن ابن أبي مليكة قال: "رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: اكتب. قال: حتى سأله عن التفسير كله" (¬١). وهي كتابة آل أمرها وأمر غيرها من كتابات التفسير إلى أن تكون صحفًا معتبرة تتداول وتروى، وإن المتتبع لمرويات التفسير سيجد مدار معظمها على تلك الصحف؛ فقد أملى مجاهد تفسيره على القاسم بن أبي بزة ولم يسمعه منه أحد غيره، قال ابن عيينة: "لم يسمعه أحد من مجاهد إِلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابه: الحكم، وليث، وابن أبي نجيح" (¬٢)، ولك أن تعتبر بأن المروي عن مجاهد وحده في التفسير من خلال تفسير الطبري أكثر من ثلاثة آلاف رواية بعد حذف المكرر (¬٣)، ولك أن تعتبر كذلك بكون بعض تفسيره يوافق ما روي عن ابن عباس؛ لكونه آكثر من أخذ التفسير عن ابن عباس وأقلهم رواية عنه، وهناك نسخ أخرى غير نسخة مجاهد نقلت لنا آثار السلف في التفسير؛ كتفسير عطية العوفي عن ابن عباس، وتفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وتفسير السدي عن بعض أشياخه، وتفسير قتادة من رواية سعيد بن أبي عروبة، وليس هذا موضح التطويل بذكر تلك النسخ (¬٤)؛ وإنما المقصود وفرة تلك النسخ وكثرتها فيما نقل من آثار التفسير، وهذه النسخ "شرط تحملها وروايتها عدم اتهام الراوي بالكذب، وطالما كان الناسخ ثقة؛ فإنه يتساهل في نَقَلَة النسخة عنه، ولو شددنا فيهم لم يكد يصح لنا شيء كثير من دواوين السُّنَّة، فضلًا عن غيرها" (¬٥).
وهذه النسخ التفسيرية يصدق على كثير منها أنها وجادات، والعلماء فرّقوا بين الحكم باتصالها أو انقطاعها وبين العمل بها عند حصول الثقة بها ومعرفة الواسطة؛ فبعد أن بيَّن ابن الصلاح تفاوت مراتب الوجادات من حيث الاتصال والانقطاع قال: "هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة؛ وأما جواز العمل اعتمادًا على ما يوثق به منها، فقد روينا عن بعض المالكية: أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك، وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز
_________
(¬١) تفسير الطبري ١/ ٨٥.
(¬٢) المعرفة والتاريخ ٢/ ١٥٤.
(¬٣) ينظر: تفسير التابعين ١/ ٢٥٢.
(¬٤) ينظر: كتاب نسخ أسانيد التفسير فقد فصل القول في تلك النسخ.
(¬٥) التقرير في أسانيد التفسير بتصرف ص ٢٧، ٢٨.

الصفحة 560