كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

وقد كان المحررون من المفسرين ساعة اختلاف الأقوال واستناد أحدها إلى تفسير نبوي؛ يحكمون بصواب القولط المستند للتفسير النبوي إذا ثبتت صحته ويجعلون ما عارضه خطأ، أو يجعلون القطع بالمعنى الذي تضمنه التفسير النبوي متوقفًا على ثبوت صحته.
ومن أمثلة ذلك: ما ورد عن السلف في معنى الكلمات التي ابتلى اللَّه بها إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: ١٢٤]؛ فقد حكى المفسرون فيها عن السلف أقوالًا، حكاها الطبري وغيره، وقال الطبري بعد حكايته لها: "والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن اللَّه عزَّ وجلَّ أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه، وأمره أن يعمل بهن فأتمهن. . . وجائز أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكره من ذكرنا قوله في تأويل الكلمات، وجائز أن تكون بعضه. . . وغير جائز لأحد أن يقول: عنى اللَّه بالكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم شيئًا من ذلك بعينه دون شيء، ولا عنى به كل ذلك، إلا بحجة يجب التسليم لها: من خبر عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو إجماع من الحجة. ولم يصح في شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته. غير أنه روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في نظير معنى ذلك خبران، لو ثبتا، أو أحدهما؛ كان القول به في تأويل ذلك هو الصواب. ثم ذكر الخبرين أحدهما عن سهل بن معاذ عن أبيه والآخر عن أبي أمامة ثم قال: فلو كان خبر سهل بن معاذ عن أبيه صحيحًا سنده كان بيّنًا أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فقام بهن، وهو قوله كلما أصبح وأمسى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٧ - ١٨] أو كان خبر أبي أمامة عدولًا نقلته؛ كان معلومًا أن الكلمات التي أوحين إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهن أن يصلي كل يوم أربع ركعات، غير أنهما خبران في أسانيدهما نظر" (¬١).
وقد زاد ابن كثير إيضاحًا؛ فقال بعد ذكر الحديثين: ". . . ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين، وهو كما قال؛ فإنه لا تجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما، وضعفهما من وجوه عديدة، فإن كلًّا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء، مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه" (¬٢).
_________
(¬١) تفسير الطبري ١/ ٥٢٧، ٥٢٨.
(¬٢) تفسير ابن كثير ١/ ١٦٧.

الصفحة 563