كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

ومن أمثلته أيضًا: ما ورد في معنى العتيق في قوله تعالى: {وَليَطَّوَّفُوا بِالبيتِ العَتِيقِ} [الحج: ٢٩]؛ فقد ورد عن السلف في معنى العتيق عدة أقوال:
القول الأول: أن اللَّه أعتقه من الجبابرة أن يصلوا إلى تخريبه وهدمه؛ فلذلك سمي عتيقًا. ورد ذلك عن ابن الزبير وقتادة.
القول الثاني: أن البيت أعتق من أن يملكه أحد فليس فيه لأحد شيء. عن مجاهد.
القول الثالث: أنه سمي عتيقًا لِقِدَمِه؛ فهو أول بيت وضع للناس. عن ابن زيد (¬١).
قال الطبري بعد ذكره لهذه الأقوال: "ولكل هذه الأقوال التي ذكرناها عمّن ذكرناها عنه في قوله: {بِالبَيْتِ العِتِيقِ} وجه صحيح، غير أن الذي قاله ابن زيد أغلب معانيه عليه في الظاهر، غير أن الذي روي عن ابن الزبير أولى بالصحة، إن كان ما حدثني به محمد بن سهل البخاري قال: ثنا عبد اللَّه بن صالح قال: أخبرني الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن محمد بن عروة عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما سمي البيت العتيق؛ لأن اللَّه أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه قط" = صحيحًا" (¬٢).
فها هو يترك المعنى الغالب على الكلمة لمعنى آخر تحتمله لدلالة الحديث على هذا المعنى الآخر، لكنه جعل رجحان هذا المعنى مشروطًا بصحة الحديث، فإن ثبتت عدم صحته فقول ابن زيد أرجح.
ومن أمثلته أيضًا: ما ورد عن السلف في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]؛ حيث اختلفوا: هل الإفطار في السفر رخصة أو عزيمة؛ وقد حكى الطبري الخلاف عنهم في ذلك، ثم رجح القول بأنه رخصة، ثم رد على من استدل بحديث: "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر" (¬٣)
_________
(¬١) تنظر الأقوال الثلاثة في: تفسير الطبري ١٧/ ١٥١.
(¬٢) تفسير الطبري ١٧/ ١٥١، ١٥٢.
(¬٣) أخرجه النسائي في سننه، كتاب الصيام، باب ذكر قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، ح (٢٢٨٧)، ص ٣٣٨، موقوفًا على عبد الرحمن بن عوف، وابن ماجه في سننه بنحوه مرفوعًا، كتاب الصيام، باب ما جاء في الإفطار في السفر، ح (١٦٦٦) ١/ ٥٣٢، والبيهقي في سننه، كتاب الصيام، باب الرخصة في الصوم في السفر، ح (٧٩٥٥) ٤/ ٢٤٤، وهو حديث ضعيف، ذكر الاختلاف في روايته أبو حاتم في علل الحديث ٢/ ٢٨، برقم (٦٩٤)، والدارقطني في العلل ٤/ ٢٨١، برقم (٥٦٤)، ورجحا أن الصحيح كونه من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه موقوفًا، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه، ينظر: المراسيل ص ٢٥٥، برقم (٤٧٥)، تهذيب التهذيب ٦/ ٣٧٠.

الصفحة 564