كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

على أن الصوم في السفر عزيمة فقال: "وغير جائز أن يضاف إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قيل ذلك؛ لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واهية الأسانيد، لا يجوز الاحتجاج بها في الدين" (¬١).
ومن أمثلته أيضًا: ما وقع من اختلاف في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: ٤]؛ حيث اختلفوا: هل إِمساك الصائد عن الأكل شرط في صحة التعليم أم لا؟ وقد عرض الطبري الخلاف ثم قال: "فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما حدثنا به عمران بن بكار الكلاعي، قال: حدثنا عبد العزيز بن موسى، قال: حدثنا محمد بن دينار عن أبي إياس عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه؛ فليأكل ما بقي"؟ (¬٢) قيل: هذا خبر في إسناده نظر؛ فإن سعيدًا غير معلوم له سماع من سلمان، والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان، ويروونه عنه من قبله غير مرفوع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة، فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم؛ كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم" (¬٣).
٢ - رواية الكذاب لا يسوغ الاعتماد عليها في التفسير أو في غيره؛ فالكذاب لا يصلح أن تتلقى رواياته وتوضع موضع القبول، وقد نصَّ العلماء على كون رواية الكذاب متروكة مطرحة، فقد قال ابن أبي حاتم في كلامه على طبقات الرواة ومنازلهم: "ومنهم من قد ألصق نفسه بهم -يقصد بالرواة المقبولة روايتهم- ودلسها بينهم، ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب، فهذا يترك حديثه، ويطرح روايته، ويسقط ولا يشتغل به" (¬٤)، وقال ابن المبارك: "من عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه" (¬٥).
_________
(¬١) تفسير الطبري ٢/ ١٥٥.
(¬٢) لم أقف عليه بهذا اللفظ، لكن ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه ٧/ ٧٥، ٧٦، برقم (١٩٨٢٣) بسنده عن قتادة عن سعيد بن المسيب؛ قال: سألته عن الكلب يرسل على الصيد؛ فقال: كُل، وإن أكل ثلثيه، فقلت: عَنْ مَنْ؟ قال: عن سلمان، وذكر البيهقي نحوه في السنن الكبرى موقوفًا على سلمان ٩/ ٢٣٨.
(¬٣) تفسير الطبري ٦/ ٩٧. وينظر أمثلة أخرى في: تفسير الطبري ١/ ٥١٦، ٢/ ١٤٠، تفسير ابن كثير ٢/ ٢٤٥، ٢٤٦، ٣/ ٥٣، ٥٢٩.
(¬٤) الجرح والتعديل ١/ ٧.
(¬٥) ذكره الخطيب بسنده عن ابن المبارك، ينظر: الكفاية ١/ ٣٥٨.

الصفحة 565