كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

من روايته (¬١)، وإذا ذكر شيئًا مما رواه فإما أن يبين ضعفه (¬٢)، وإما أن يذكر روايته تابعة لرواية غيره أو مقرونة بها (¬٣).
والمعصود: أنه لم يعتمد على تفسيره، ولم يذكر آراءه إلا إذا وافقت رأي غيره من الثقات: وأما روايته فإما أن ينص على ضعفها، وإما أن يسوقها مقرونة برواية غيره فتزول الريبة من روايته.
ويلحق بالكذب ما ثبت لدى الناقد خطؤه، فما ثبت خطؤه لا يمكن اعتباره إذ هو ساقط ملغى، فلا يمكن الجزم بنسبة التفسير لقائله طالما ثبت خطأ الرواة في حكاية إسناد الرواية، وقد سبق بيان ذلك والتمثيل عليه من علل ابن أبي حاتم.
٣ - اشتراط ثبوت ما لا يقال مثله بالرأي؛ لأنه إذا ثبت يكون له حكم الرفع، ومما يدخل فيه الإخبار عن الأمور الغيبية، أو المقطوع بكونه من أسباب النزول، أو نحو ذلك.
وقد نصَّ الطبري على هذا؛ فقال عند قوله تعالى: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا} [البقرة: ٣٠]: "وإنما تركنا القول بالذي رواه الضحاك عن ابن عباس، ووافقه عليه الربيع بن أنس (¬٤)، وبالذي قاله ابن زيد (¬٥) في تأويل ذلك؛ لأنه لا خبر عندنا بالذي قالوه من وجه يقطع مجيئه العذر، ويلزم سامعه به الحجة؛ والخبر عما مضى وما قد سلف، لا يدرك علم صحته إلا بمجيئه مجيئًا يمتنع معه التشاعر والتواطؤ، ويستحيل معه الكذب والخطأ والسهو، وليس ذلك بموجود كذلك فيما حكاه الضحاك عن ابن عباس، ووافقه عليه الربيع، ولا فيما قاله ابن زيد" (¬٦).
وعند قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: ١٢٧] ذكر الطبري الخلاف في قواعد البيت: هل كان آدم عليه السلام رفعها ثم انهدمت فأظهرها إبراهيم عليه السلام، أم أنها قواعد بيت أهبطه اللَّه لآدم من السماء؟ إلى غير ذلك، ثم قال: "ولا علم عندنا بأي ذلك كان؛ لأن حقيقة ذلك لا تدرك إلا بخبر عن اللَّه وعن رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-
_________
(¬١) ينظر على سبيل المثال: تفسير الطبري ١/ ١٠٠، ٧/ ٢١٧، ٢٣٢، ٩/ ٩٧، ١٠/ ٦٢، ١٢/ ٧٠.
(¬٢) ينظر: تفسير الطبري ١/ ٣٤، ٨٨، ٩٣.
(¬٣) ينظر: تفسير الطبري ٩/ ٢٢٧، ١٠/ ٤٩، ١٦/ ٤١، ٤٢، ٤٤.
(¬٤) وهو القول بأن الجن كانوا يسكنون الأرض قبل آدم.
(¬٥) وهو القول بأن الملائكة قالت ذلك تعجبًا من أن يخلق اللَّه من يعصيه.
(¬٦) تفسير الطبري ١/ ٢٠٩.

الصفحة 567