كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

وأهلكت عاد بالدَّبُور" (¬١) " (¬٢).
ومن أمثلة ذلك أيضًا: ما رواه عمرو بن عبيد عن الحسن في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: ٢٧]، قال: "كان الرجلان اللذان في القرآن، اللذان قال اللَّه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} من بني إسرائيل، ولم يكونا ابني آدم لصلبه؛ وإنما كان القُربان في بني إسرائيل، وكان آدم أول من مات" (¬٣)، وقد رده الطبري (¬٤) وابن عطية (¬٥) وغيرهما.
قال الطبري عقب ذكره لقوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣١]: "وهذا أيضًا أحد الأدلة على أن القول في أمر ابني آدم بخلاف ما رواه عمرو عن الحسن؛ لأن الرجلين اللذين وصف اللَّه صفتهما في هذه الآية لو كانا من بني إسرائيل، لم يجهل القاتل دفن أخيه ومواراة سوأة أخيه، ولكنهما كانا من ولد آدم لصلبه" (¬٦)، ثم ساق الطبري من مراسيل الحسن ما يفيد أنه كان يقول أنهما كانا ابني آدم لصلبه (¬٧).
وقال ابن كثير: "وكلهم متفقون على أن هذين ابنا آدم لصلبه، كما هو ظاهر القرآن، وكما نطق به الحديث في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْل من دمها، لأنه أول من سن القتل" (¬٨). وهذا ظاهر جَليّ، ولكن قال ابن جرير: "حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا سَهْل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن -هو البصري- قال: كان الرجلان اللذان في القرآن اللذان قال اللَّه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه؛ وإنما كان القربان من بني
_________
(¬١) الصبا: ريح؛ ومهبها المستوي أن تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار، والدبور: ضد الصبا؛ أي: أن مهبها من جهة مغرب الشمس، والنكباء: كل ريح هبت من بين جهتين. ينظر: مختار الصحاح ص ٣٥٦، فتح الباري ٢/ ٥٢١.
(¬٢) المحرر الوجيز ٥/ ١٨٠، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستسقاء، باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نصرت بالصبا" ص ٢٠٤، ح (١٠٣٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة الاستسقاء، باب: في ريح الصبا والدبور، ٢/ ٤٢: ٤٣، ح (٩٠٠).
(¬٣) تفسير الطبري ٦/ ١٨٩.
(¬٤) تفسير الطبرى ٦/ ١٩٤.
(¬٥) المحرر الوجيز ٢/ ١٧٨.
(¬٦) تفسير الطبري ٦/ ١٩٦.
(¬٧) تنظر هذه المراسيل في: تفسير الطبري ٦/ ١٩٩، وسيأتي ذكرها في كلام ابن كثير.
(¬٨) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم وذريته، ح (٣٣٣٥) ص ٦٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة، باب بيان إثم من سن القتل، ح (١٦٧٧) ٩/ ١٥٣.

الصفحة 570