كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول لا يصح -واللَّه أعلم- عن ابن عباس؛ لأنه ينحو إلى قول أصحاب الرموز، ولا وجه لإخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب لغير علة تدعو إلى ذلك" (¬١).
ومن ذلك أيضًا: ما ورد عن مجاهد في قوله تعالى عن بني إسرائيل: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥] قال ابن كثير: "وقوله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} قال: مسخت قلوبهم، ولم يمسخوا قردة؛ وإنما هو مثل ضربه اللَّه؛ {كَمَثَلِ الحِمَارِ تَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥]. . . وهذا سند جيّد عن مجاهد، وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره، قال اللَّه تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} الآية [المائدة: ٦٠] " (¬٢).
وغرض ابن كثير من التنصيص على جودة الإسناد في هذا الموضع بيان ثبوت هذا المعنى الغريب عن مجاهد.
٦ - اشتراط الثبوت عند ورود معنى تفسيري مخالف للمعنى المجمع عليه؛ فإذا أجمع السلف على معنى ما، وروي عن واحد منهم ما يخالف هذا الإجماع؛ فلا يسوغ نسبته لمخالفة الإجماع إلا بعد ثبوت هذا القول عنه.
ومما يمثل له بذلك: إجماع المفسرين في قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة: ٢٩] على أن المعنى: أريد أن تبوء بإثم قتلي وإثمك الذي عليك قبل ذلك، وقد نصَّ الطبري على هذا الإجماع (¬٣)، ونقله عنه ابن كثير (¬٤).
وقد روي عن مجاهد أن المعنى: إني أريد أن تبوء بخطيئتي؛ فتتحمل وزرها وإثمك في قتلك إياي (¬٥)، والمعنى: أن ذنوب المقتول كلها تحمل على القاتل.
ولما كان هذا القول مخالفًا للإجماع؛ قال الطبري: "هذا قول وجدته عن مجاهد،
_________
(¬١) المحرر الوجيز ٣/ ٣٠٨.
(¬٢) تفسير ابن كثير ١/ ١٠٥، بتصرف يسير. وينظر أمثلة أخرى في: تفسير الطبري ١٢/ ٢٠٥، ١/ ٦٧٣، المحرر الوجيز ١/ ٣٠٦، ٢/ ٣٠٠، ٣/ ٢٣٩، ٢٨١، ٤/ ٣٢٣، تفسير القرطبي ٢/ ٢٨٦، تفسير ابن كثير ٣/ ٢٠٠، ٤/ ٢٣٣.
(¬٣) تفسير الطبري ٦/ ١٩٣، وينظر: الإجماع ص ٢٩٣.
(¬٤) تفسير ابن كثير ٢/ ٤٤.
(¬٥) تفسير الطبري ٦/ ١٩٣.

الصفحة 572