كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 1)

ولا نعلم ذلك صحيحًا من الوجه الذي تصح منه الأخبار" (¬١).
ومن أمثلته أيضًا: ما ورد عن أُبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- في قوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} [المائدة: ٤٧]. قال الطبري: "وأما ما ذكر عن أبي بن كعب -رضي اللَّه عنه- من قراءته ذلك: (وأن لِيَحْكُم) على وجه الأمر؛ فذلك مما لم يصح به النقل عنه" (¬٢).
٩ - اشتراط الثبوت عند كون المروي في التفسير متعلقًا به لأحكام أو بالحلال والحرام.
ومن أمثلته: قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١]؛ فقد نصَّت الآية على أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، وقد روي عن ابن عباس ما يخالف هذا ولكنه لم يثبت عنه، ولذا قال ابن كثير: ". . . وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور، وقد روى البيهقي من طريق شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس؛ أنه دخل على عثمان -رضي اللَّه عنه- فقال: إن الأخوين لا يَرُدَّان الأم عن الثلث، قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة، فقال عثمان -رضي اللَّه عنه-: لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس. وفي صحة هذا الأثر نظر؛ فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس، ولو كان هذا صحيحًا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخِصَّاء به، والمنقول عنهم خلافه" (¬٣).
ومن أمثلته: ما ذكره ابن كثير في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] قال: "وأما قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}؛ فجمهور الأئمة على أن الربيبة حرام سواء كانت في حجر الرجل أو لم تكن في حجره، قالوا: وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له كقوله تعالى: {وَلَا تُكرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إِن أَرَدنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]. . . وقد قيل بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل، فإذا لم يكن كذلك فلا تحرم، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أنبأنا هشام -يعني: ابن يوسف- عن ابن جريج، حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، أخبرني ما لك بن أوس بن الحدثان، قال: كانت عندي امرأة فتوفيت، وقد ولَدَتْ لي، فوجِدْت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- فقال: مالك؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا، هي بالطائف،
_________
(¬١) تفسير الطبري ١/ ٤٧٣.
(¬٢) تفسير الطبري ٨/ ٤٨٤، تحقيق: التركي، وينظر أيضًا: تفسير الطبري ١/ ٥٦٩، المحرر الوجيز ٤/ ١٧٦.
(¬٣) تفسير ابن كثير ١/ ٤٥٩. وينظر أمثلة أخرى في: المحرر الوجيز ٢/ ٣٤٦، ٤/ ١٧٦.

الصفحة 575