كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 1)

أتعلمين تلك المعضلة؟ قالت: "أجل أيها الملك، إنها رؤيا منام، ليست بأضغاث1 أحلام". قالت الملك: أصبت يا عفيراء، فما تلك الرؤيا؟ قالت: "رأيت أعاصير2 زابع بعضها لبعض تابع، فيها لهب لامع، ولها دخان ساطع، يقفوها نهر متدافع، وسمعت فيما أنت سامع، دعاء ذي جرس3 صادع: هلموا إلى الشارع4، فروي جارع5، وغرق كارع6" فقال الملك: أجل، هذه رؤياي؛ فما تأويلها يا عفيراء؟ قالت: "الأعاصير الزوابع، ملوك تبابع7، والنهر علم واسع، والداعي نبي شافع، والجارع ولي تابع، والكارع عدو منازع". فقال الملك: يا عفيراء، أسلم هذا النبي أم حرب؟ فقالت: "أقسم برافع السماء ومنزل الماء من القماء8، إنه لمطل الدماء9، ومنطق العقائل نطق الإماء10". فقال الملك: إلام يدعو يا عفيراء؟ قالت: "إلى صلاة وصيام، وصلة أرحام، وكسر أصنام: وتعطيل أزلام11، واجتناب آثام" فقال الملك:
__________
1 أضغاث أحلام: رؤيا لا يصح تأويلها لاختلاطها.
2 الأعاصير جمع إعصار وهو الربح التي تهب من الأرض كالعمود نحو السماء، أو التي فيها العصار بالكسر وهو الغبار الشديد.
3 الجرس: الصوت.
4 المشارع جمع مشرعة وهي مورد الشاربة.
5 جارع: فاعل من جرع الماء كسمع ومنع إذا بلعه.
6 كارع فاعل من كرع في الماء كسمع ومنع تناوله بغية من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء.
7 التبايع جمع تبع كسكر: ملوك اليمن.
8 العماء: السحاب الكثيف.
9 انظر قوله عليه الصلاة والسلام في خطبته في حجة الوداع "وإن دماء الجاهلية موضوعة".
10 العقائل: كرائم النساء جمع عقيلة، والنطق جمع نطاق ككتاب النطاق والمنطقة: ما تشد به المرأة وسطها للمهنة، ونطقها تنطيقًا: ألبسها النطاق فتنطقت وانتطقت ومنطق النساء أي يسبيهن فيشددن النطق على أوساطهن للخدمة كالإماء.
11 الأزلام جمع زلم كسبب قداح كان العرب يستقسمون بها في الجاهلية "أي يطلبون معرفة ما قسم لهم" وذلك أنهم كانوا إذا قصدوا فعلًا من تجارة أو سفر أجالوا ثلاثة قداح "للقداح جمع قداح بالكسر وهو السهم قبل أن يراش" وكانت عند أصنامهم، أحدها مكتوب عليه: أمرني ربي، والثاني: نهاني ربي، والثالث: غفل؛ فإن خرج الأول مضوا في الأمر، أو الثاني أحجموا عنه، أو الثالث أجالوها ثانية حتى يخرج أحد الأولين.

الصفحة 117