كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 1)
83- وصية لأكثم بن صيفي:
كتب النعمان بن خميصة الباروقي إلى أكثم بن صيفي: "مثل لنا مثالًا نأخذ به1".
فقال:
"لقد حلبت الدهر أشطره2 فعرفت حلوه ومره. عين عرفت فذرفت3، إن أمامي ما لا أسامي4. رب سامع بخبر لم يسمع بعذري. كل زمان لمن فيه. في كل يوم ما يكره. كل ذي نصرة سيخذل. تباروا فإن البر ينمي5 عليه العدد وكفوا ألسننتكم فإن مقتل الرجل بين فكيه. إن قول الحق لم يدع لي صديقًا. الصدق منجاة لا ينفع مع الجزع التبقي. ولا ينفع مما هو واقع التوقي، ستساق إلى ما أنت لاق. في طلب المعالي يكون العناء. الاقتصاد في السعي أبقى للجمام6 من لم يأس7 على ما فاته ودع بدنه، ومن قنع بما هو فيه قرت عينه. التقدم قبل التندم8. أصبح عند رأس الأمر أحب إلي من أن أصبح عند ذنبه. لم يهلك من مالك ما وعظك، ويل لعالم أمر من جاهله. يتشابه الأمر إذا أقبل؛ فإذا أدبر عرفه الكيس والأحمق. الوحشة ذهاب الأعلام9. البطر عند الرخاء حمق. والعجز عند البلاء أفن10. لا تغضبوا
__________
1 هكذا روى أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: وذكر الميداني أن أكتم وصى بها بنيه حين جمعهم، والرواية الأولى أطول بكثير من الثانية، وقد جمعت بين الروايتين.
2 للناقة شطران: قادمان وآخران؛ فكل خلفين من أخلافها شطر "والخلف بالكسر لها كالضرع للبقرة" وأشطره بدل من الدهر، والمعنى أنه اختبر الدهر خيره وشره فعرف ما فيه، وهو مثل يضرب فيمن جر الدهر.
3 ذرفت عينه كضرب: سال دمعها، وذرفت للعين دمعها أسالته، وهو مثل يضرب لمن رأى الأمر فعرف حقيقته.
4 ساماه: باراه في السمو.
5 يزيد، وفي مجمع الأمثال " يبقى".
6 أي أبقى للقوة، من جم الفرس جمامًا "بالفتح" ترك الضراب فتجمع ماؤه، وجم الماء يجم بضم الجيم وكسرها جمومًا كثر واجتمع، والبئر تراجع ماؤها، والجمام بالفتح أيضًا: الراحة.
7 يحزن.
8 أي ففكر في التقدم قبل أن تندم.
9 الأعلام جمع علم: وهو سيد القوم.
10 الأفن: ضعف الرأى والعقل، وفي الأصل أمن وهو تحريف.