كتاب جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة (اسم الجزء: 1)

القِنَاعَ" فذهبت مثلًا، ثم أقبلت إلى الحارث فقال لها: "ما وراءك يا عصام"؟ فأرسلها مثلًا، قالت: "صرح المخض عن الزبد1"، فذهبت مثلًا. قال أخبريني، قالت: أخبرك صدقًا وحقًّا:
"رأيت جبهة كالمرآة الصقيلة، يزينها شعر حالك، كأذناب الخيل المضفورة2، إن أرسلته خلته السلاسل، وإن مشطته قلت عناقيد كرم جلاها الوابل3، وحاجبين كأنهما خطا بقلم، أو سودا بحمم4 قد تقوسا على عيني الظبية العبهرة5 التي لم يرعها قانص، ولم يذعرها قسورة6، بينهما أنف كحد السيف المصقول7، لم يخنس به8 قصر، ولم يمض9 به طول، حفت به وجنتان كالأرجوان10، في بياض محض كالجمان11، شق فيه فم كالخاتم، لذيذ المبتسم، فيه ثنايا غر، ذوات أشر12، وأسنان تبدو كالدرر، وريق كالخمر له نشر الروض بالسحر، يتقلب فيه لسان ذو فصاحة وبيان، يحركه عقل وافر وجواب حاضر، تلتقي دونه شفتان حمراوان كالورد، تجلبان ريقًا كالشهد، تحت ذلك عنق كإبربق الفضة، ركب في صدر كصدر تمثال دمية13، يتصل بها عضدان ممتلئان لحمًا، مكتزان14 شحمًا، وذراعان ليس فيها عظم يحس، ولا عرق يجس، ركبت فيهما كفان، دقيق
__________
1 مخض اللبن: أخذ زبده، والتصريح: تبين الأمر، وهو مثل يضرب للأمر إذا انكشف وتبين.
2 في الأصل "المقصورة" وهو تحريف وصوابه "المضفورة".
3 المطر الشديد الضخم القطر.
4 الحمم: الفحم.
5 العبهرة والعبهر: الرقيقة البشرة الناصعة البياض، والسمينة الممتلئة الجسم.
6 القسورة: الرماة من الصيادين، الواحد قسور.
7 في مجمع الأمثال "الصنيع" وهو السيف الصقيل المجرب.
8 خنس عنه كضرب وكرم تأخر "والخنس: محرك تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة، خنس كفرح فهو أخنس وهي خنساء".
9 وفي جمهرة الأمثال "ولم يمعن".
10 الأرجوان: صبغ أحمر.
11 الجمان: اللؤلؤ، أو هنوات أشكال اللؤلؤ من فضة.
12 أشر الأسنان: التحزيز الذي فيها.
13 الدمية: الصورة المنقشة من الرخام أو عام.
14 اكتنز: اجتمع: اجتمع وامتلأ.

الصفحة 143