كتاب الرياض النضرة في مناقب العشرة (اسم الجزء: 1-2)

فجلست على بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيضاء, فخرجت عليها حتى جئت لأراك فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة فيأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم عنوة قال: والله إني لأسير عليها, وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليل نيرانا قط ولا عسكرًا، قال: فيقول بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، قال: يقول أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة! فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ قال: قلت: نعم، قال: ما لك, فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس وا صباح قريش والله، قال: فما هذه الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحبه، قال: فجئت به فكلما مررت بنار من المسلمين قالوا: من هذا? فإذا رأوا بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا عليها قالوا: عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: من هذا وقام إلي، رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان عدو الله، الحمد الله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودخل عليه عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه، قال: قلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذت برأسه فقلت: والله لا يناجيه الليلة دوني رجل، فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلًا يا عمر، والله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا, ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال: مهلًا يا عباس, فوالله لإسلامك يوم أسلمت

الصفحة 348