كتاب الرياض النضرة في مناقب العشرة (اسم الجزء: 1-2)

نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل أبي البختري؛ لأنه كان أكف القوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة, وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه.
وعن عمرو بن العاص قال: بينا أنا في منزلي بمصر إذ قيل: هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة يستأذنان عليك، فقلت: يدخلان, فدخلا وهما منكسران، فقالا: أقم علينا حد الله, فإنا أصبنا البارحة شرابًا وسكرنا.
قال: فزجرتهما وطردتهما فقال عبد الرحمن: إن لم تفعله خبرت والدي إذا قدمت عليه، قال: فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب علي عمر وعزلني، قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل عبد الرحمن بن عمر ناحية إلى بيت في الدار فحلق رأسه وكانوا يحلقون من الحدود، ووالله ما كتبت لعمر بحرف مما كان حتى إذا كتابه جاءني فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم" من عند عبد الله عمر إلى العاص بن العاصي عجبت لك يابن العاص وجراءتك علي وخلافك عهدي, فما أراني إلا عازلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك وقد عرفت أن هذا يخالفني، وإنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين, ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين وعرفت أنه لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، فبعث به كما قال أبوه وكتب إلى عمر يعتذر إليه إني ضربته في صحن داري، والله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن داري على المسلم والذمي، وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمر, فقدم بعبد الرحمن على أبيه فدخل وعليه عباءة ولا يستطيع المشي من سوء مركبه فقال: يا عبد الرحمن فعلت وفعلت!! فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد؛ فلم يلتفت إليه، فجعل عبد الرحمن يصيح ويقول: إني مريض وأنت

الصفحة 354