كتاب الرياض النضرة في مناقب العشرة (اسم الجزء: 1-2)
فدخل عليه وقال: كل يا بني, فيوشك أن يكون آخر زادك.
قال ابن عباس: فلقد رأيت الغلام وقد تغير لونه وارتعد وسقطت اللقمة من يده، فقال له عمر: يا بني من أنا؟ قال: أنت أبي وأمير المؤمنين، قال: فلي حق طاعة أم لا? قال: لك طاعتان مفترضتان؛ لأنك والدي وأمير المؤمنين، قال عمر: بحق نبيك وبحق أبيك هل كنت ضيفًا لنسيكة اليهودي, فشربت الخمر عنده فسكرت? قال: لقد كان ذلك، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأس مال المؤمن التوبة" قال: يا بني, أنشدك الله هل دخلت حائط بني النجار فرأيت امرأة فواقعتها? فسكت وبكى، قال عمر: يا بني اصدق فإن الله يحب الصادقين قال: قد كان ذلك وأنا تائب نادم، فلما سمع منه عمر قبض على يده ولببه وجره إلى المسجد فقال: يا أبت لا تفضحني وخذ السيف واقطعني إربًا إربًا، قال: أما سمعت قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 1 ثم خرجه وأخرجه إلى بين يدي الصحابة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد وقال: صدقت المرأة وأقر أبو شحمة بما قالت، وكان له مملوك يقال له: أفلح، فقال: يا أفلح, خذ ابني هذا إليك واضربه مائة سوط ولا تقصر في ضربه، فقال: لا أفعل وبكى، فقال: يا غلام إن طاعتي طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فافعل ما آمرك به، قال: فنزع ثيابه وضج الناس بالبكاء والنحيب وجعل الغلام يشير إلى أبيه: يا أبت ارحمني، فقال له عمر وهو يبكي: ربك يرحمك، وإنما أفعل هذا كي يرحمك ويرحمني، ثم قال: يا أفلح اضرب, فضربه وهو يستغيث وعمر يقول: اضربه حتى بلغ سبعين فقال: يا أبت اسقني شربة من ماء، فقال: يا بني إن كان ربك يطهرك فيسقيك محمد -صلى الله عليه وسلم- شربة لا تظمأ بعدها أبدًا، يا غلام اضربه, فضربه حتى بلغ ثمانين فقال: يا أبت السلام عليك، فقال: وعليك
__________
1 سورة النور الآية: 2.