كتاب الرياض النضرة في مناقب العشرة (اسم الجزء: 1-2)

الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو بكر على أثره، وقد فتح الله عليك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك أموالهما وذلك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله تعالى المزيد ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون إليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك, ويغدى عليك بحفنة من طعام ويراح عليك بأخرى تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار, فبكى عمر عند ذلك بكاءً شديدًا ثم قال: سألتك بالله هل تعلمين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شبع من خبز بر عشرة أيام أو خمسة أو ثلاثة أو جمع بين عشاء وغداء حتى ألحق بالله? قالت: لا، قال: أنشدك بالله هل تعلمين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرب إليه على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فترفع؟ قالت: اللهم نعم، ثم قال لهما: أنتما زوجتا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعليّ خاصة، ولكن أتيتماني ترغبانني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبس جبة من صوف فربما حكجسمه من خشونتها، أتعلمان ذلك? قالتا: نعم، قال: فهل تعلمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرقد على عباءة على طاق واحد وكان مسح في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطًا وبالليل فراشًا, ينام عليه ويرى أثر الحصير في جنبه؟ ألا يا حفصة أنت حدثتني أنك تثنيت المسح له ليلة فوجدها لينة فرقد عليه فلم يستيقظ إلا بأذان بلال فقال لك: يا حفصة, ماذا صنعت ثنيت المهاد حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وما للدنيا وما للدنيا وما لي، شغلتموني بلين الفراش؟ يا حفصة: أما تعلمين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, ولم يزل جائعًا ساهرًا راكعًا ساجدًا باكيًا متضرعًا آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله تعالى إلى رحمته ورضوانه? لا أكل عمر طيبًا ولا لبس لينًا أسوة بصاحبيه, ولا جمع بين أدمين إلا الماء والزيت, ولا أكل لحمًا إلا في كل شهر، فخرجنا من عنده فأخبرنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يزل

الصفحة 370