كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 1)

ظَنِّهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْخُرُوجِ لِرُؤْيَةِ الْفَجْرِ، وَلِلْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِعَجْزِهِ فِي الْجُمْلَةِ، أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ رَقِيقًا بِدُخُولِهِ عَنْ عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ كَأَنْ قَالَ: رَأَيْت الْفَجْرَ طَالِعًا أَوْ الشَّفَقَ غَارِبًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ وَجَازَ إنْ أَمْكَنَهُ، وَفِي الْقِبْلَةِ لَا يَعْتَمِدُ الْمُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ فَيَعْسُرُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْنَهَا مَرَّةً اكْتَفَى بِهَا مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَحَلِّهِ فَلَا عُسْرَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ أَوْ لَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوقِظُ لِلصَّلَاةِ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ» .
قَالَ الْإِمَامُ الْحَلِيمِيُّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ خَيْرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَبَّ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُكَرَّمَ وَيُشْكَرَ وَيُتَلَقَّى بِالْإِحْسَانِ، وَلَيْسَ مَعْنَى دُعَاءِ الدِّيكِ إلَى الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَقُولُ بِصُرَاخِهِ حَقِيقَةً الصَّلَاةُ وَقَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِأَنَّهُ يَصْرُخُ صَرَخَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعِنْدَ الزَّوَالِ فِطْرَةٌ فَطَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِصُرَاخِهِ الصَّلَاةَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِصُرَاخِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ سِوَاهُ إلَّا مَنْ جُرِّبَ مِنْهُ مَا لَا يُخْلَفُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ لَهُ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُرْوَى: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَلَكًا تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْوَجْهِ أَلْفُ عَامٍ. الْأَوَّلُ: يَنْظُرُ بِهِ إلَى الْجَنَّةِ وَيَقُولُ طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ. وَالثَّانِي: يَنْظُرُ بِهِ إلَى النَّارِ وَيَقُولُ وَيْلٌ لِمَنْ دَخَلَكِ. وَالثَّالِثُ يَنْظُرُ بِهِ إلَى الْعَرْشِ وَيَقُولُ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ. وَالرَّابِعُ: يَخِرُّ بِهِ سَاجِدًا وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَلَهُ خَمْسُ حَرَكَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عِنْدَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ. فَيَقُولُ: كَيْفَ أَسْكُنُ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ فَرِيضَتِك عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ فَقَدْ غَفَرْت لِمَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَقِيلَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا مُحَمَّدُ أَنَا وَضَعْت عَلَى عِبَادِي الْفَرَائِضَ وَأَنْتَ وَضَعْت النَّوَافِلَ، فَالضَّمَانُ عَلَيْك فَمِنْك الشَّافِعَةُ وَمِنَّا الرَّحْمَةُ، وَإِذَا صَلَّى الْمُؤْمِنُ صَلَاةً وَتَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ صَلَاتِهِ صُورَةً فِي الْمَلَكُوتِ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ ثَوَابُ ذَلِكَ لِمَنْ صَلَّى» . اهـ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي لَطَائِفِ الْمِنَنِ.
تَنْبِيهٌ: مَرَاتِبُ الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ: الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَبَرِ الثِّقَةِ عَنْ عِلْمٍ أَوْ بَيْتِ الْإِبْرَةِ أَوْ الْمَزَاوِلِ الْمُجَرَّبَةِ أَوْ السَّاعَاتِ الصَّحِيحَةِ، هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، ثُمَّ الِاجْتِهَادُ تَمَّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
قَدِّمْ لِنَفْسِك عِلْمَ الْوَقْتِ وَاجْتَهَدَا ... مِنْ بَعْدِ ثَمَّتْ قَلِّدْ فِيهِ مُجْتَهِدَا
وَالْمُزَوِّلَاتُ وَبَيْتُ الْإِبْرَةِ إنْ صَدَقَا ... إخْبَارُ عَدْلٍ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَاعْتَقَدَا
وَمَرَاتِبُ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَةٌ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِقَوْلِ الثِّقَةِ ثُمَّ الِاجْتِهَادُ ثُمَّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْأَعْمَى إلَخْ) أَيْ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ لَعَجْزِهِ أَيْ الْأَعْمَى فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْأَعْمَى عَاجِزًا.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ) إخْبَارُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إمْكَانُ سُؤَالِهِ، فَإِذَا أَمْكَنَ سُؤَالُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْبَارِ الْإِخْبَارُ بِالْفِعْلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إذَا عَلِمَ) أَيْ تَيَقَّنَ عِلْمَهَا وَفِي نُسْخَةٍ عَلِمَ عَيْنَهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ الْبَصِيرِ الْقَادِرِ: قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ، فَإِنَّهُ

الصفحة 456