كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 1)

كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ.

تَنْبِيهٌ: أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا سَادِسًا وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَعْلَمَ فَرْضِيَّتَهَا وَيُمَيِّزَ فَرْضَهَا مِنْ سُنَنِهَا، نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا فَرْضًا أَوْ بَعْضَهَا وَلَمْ يُمَيِّزْ وَكَانَ عَامِّيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا بِنَفْلٍ صَحَّتْ.

(وَيَجُوزُ) لِلْمُصَلِّي (تَرْكُ) اسْتِقْبَالِ (الْقِبْلَةِ فِي حَالَتَيْنِ) الْحَالَةُ الْأُولَى (فِي) صَلَاةِ (شِدَّةِ الْخَوْفِ) فِيمَا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: نَعَمْ إنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْخَارِجُ عَنْ الْوَسَطِ كَيْفَ يَكُونُ مُحَاذِيًا لِلْكَعْبَةِ.
قَوْلُهُ: (خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الرُّكْنِ لَكِنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِبِنَائِهَا، وَالْمُضِرُّ إنَّمَا هُوَ خُرُوجُهُ عَنْ بِنَائِهَا، وَأَلْ فِي الرُّكْنِ لِلْجِنْسِ أَيْ أَيُّ رُكْنٍ كَانَ اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا سَادِسًا) لَوْ أَخَّرَ هَذَا التَّنْبِيهَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا يُدْرِكُهُ أَهْلُ الذَّوْقِ وَالْكَمَالِ وَوَجْهُ إسْقَاطِهِ لَهُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ) كَيْفِيَّةُ الشَّيْءِ صِفَتُهُ فَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ صِفَتُهَا، وَهِيَ تَرْتِيبُ أَرْكَانِهَا فَقَوْلُهُ بِأَنْ يَعْلَمَ فَرْضِيَّتِهَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى كَيْفِيَّتِهَا لَا حَقِيقَةَ كَيْفِيَّتِهَا لَكِنَّهُ قَيَّدَ فِي الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ عَامِّيًّا فَسَّرَ الْعَامِّيَّ هُنَا بِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَالِمُ يُخَالِفُهُ قَالَهُ الرَّمْلِيُّ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ: وَكَانَ عَامِّيًّا ضَائِعًا بَعْدَ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُمَيِّزْ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ، وَذَكَرَهُ م ر أَيْضًا بِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ الْفِقْهِ طَرَفًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَارْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّيِّ هُنَا مِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِلْمِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ مَعْرِفَةُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَالْعَالِمُ بِخِلَافِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ إيرَادِ شَيْءٍ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (إنْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا فَرْضًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ، وَكَانَ عَامِّيًّا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا بِنَفْلٍ) أَيْ لَمْ يَعْتَقِدْ فَرْضًا نَفْلًا فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَلَوْ قَدَّمَ الْبَاءَ فَوَصَلَهَا بِلَفْظِ الْفَرْضِ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ نَفْلًا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

قَوْلُهُ: (فِي حَالَتَيْنِ) وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الصُّوَرَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ سِتًّا فَقَالَ: الِاسْتِقْبَالُ شَرْطٌ إلَّا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ، وَنَفْلِ سَفَرٍ وَغَرِيقٍ عَلَى لَوْحٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَمَرْبُوطٍ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَعَاجِزٍ لَمْ يَجِدْ مُوَجِّهًا وَخَائِفٍ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ رَاحِلَتِهِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَةٍ مُنَاوِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ) مِنْ الْخَوْفِ الْمُجَوِّزِ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَوَجَّهَ لِلْخُرُوجِ وَيُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ حِينَئِذٍ م ر. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْقَضَاءِ لِلتَّقْصِيرِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ النَّاشِرِيِّ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (فَمَا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ. وَفِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ مَا يُبَاحُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ مِمَّا يُبَاحُ وَقَوْلُهُ مِنْ قِتَالٍ أَيْ: مِمَّا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ كَقِتَالٍ وَدَفْعِ صَائِلٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِرَارُ مِنْ سَبُعٍ أَوْ نَارٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَمِثْلُهُ مِنْ خُطِفَ نَعْلُهُ، فَلَهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ. قَالَ سم: وَإِنَّمَا يُصَلِّي عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا شَرَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا) نَعَمْ إنْ أَمِنَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا وَأَمِنَ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ) زَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ. قَوْلُهُ: (فِي التَّفْسِيرِ) أَيْ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ فِي الْبُخَارِيِّ فَسَّرَ فِيهِ بَعْضَ آيَاتٍ.
قَوْلُهُ: (قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ يَأْمَنُ الْعَدُوَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ مَعَ الْقُعُودِ بِأَنْ كَانَ يَأْمَنُ الْعَدُوَّ حَالَةَ الرُّكُوبِ.

الصفحة 460