كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 1)

بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ اعْتَمَدَ ثِقَةً يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ كَقَوْلِهِ: أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَعَ وُجُودِ إخْبَارِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبَ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ يَكْثُرُ طَارِقُوهُ، فَإِنْ فَقَدَ الثِّقَةَ الْمَذْكُورَ وَأَمْكَنَهُ اجْتِهَادٌ اجْتَهَدَ لِكُلِّ فَرْضٍ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ.

فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الِاجْتِهَادِ أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَأَعَادَ وُجُوبًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعَلُّمٌ كَأَعْمَى الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا بِأَدِلَّتِهَا وَمَنْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ أَدِلَّتِهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا، وَتَعَلُّمُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ أَمْكَنَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَى مَثَلًا إذَا أَمْكَنَهُ التَّحْسِيسُ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ لِكَثْرَةِ الصُّفُوفِ وَالزِّحَامِ، فَيَكُونُ كَالْحَائِلِ فَيُقَلِّدُ مُخْبِرًا عَنْ عِلْمٍ، هَكَذَا ظَهَرَ وَعَرَضْته عَلَى شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ، فَوَافَقَ سم، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَعْمَى مُسْتَفَادٌ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْإِمْكَانَ بِالسُّهُولَةِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ قَبُولِ خَبَرٍ أَوْ اجْتِهَادٍ.
قَوْلُهُ: (اعْتَمَدَ ثِقَةً) أَيْ بَصِيرًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ مِمَّنْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَ مَنْ بِمَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ حَائِلٌ لَا يُكَلَّفُ الصُّعُودَ، لِأَنَّ السُّؤَالَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِخِلَافِ الصُّعُودِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ مَشَقَّةً لِبُعْدٍ الْمَكَانِ أَوْ نَحْوِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا فِي تِلْكَ س ل.
قَوْلُهُ: (كَقَوْلِهِ أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ) أَوْ الْمِحْرَابَ الْمُعْتَمَدَ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ) أَيْ فِي الْجِهَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَقَدُّمُ ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا فَالْإِخْبَارُ الْمَذْكُورُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَحَارِيبِ إذَا تَعَارَضَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ بَيْتُ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفُ لِعَارِفٍ بِهِ ق ل. وَعِبَارَتُهُ عَلَى الْجَلَالِ قَالَ السُّبْكِيُّ: مَحَلُّ جَوَازِ تَقْلِيدِ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا الْخَطَأُ بِاجْتِهَادِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهَا. قَوْلُهُ: (يَكْثُرُ طَارِقُوهُ) أَيْ الْعَارِفُونَ حَيْثُ أَقَرُّوهُ وَأَخْبَرُوا بِصِحَّتِهِ ق ل أَيْ: وَسَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُ كَمَحَارِيبِ الْقَرَافَةِ وَأَرْيَافِ مِصْرَ، فَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِهَا، بَلْ يَجِبُ لِامْتِنَاعِ اعْتِمَادِهَا، وَيَكْفِي الطَّعْنُ مِنْ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمِيقَاتِ أَوْ ذَكَرَ لَهُ مُسْتَنَدًا. اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فُقِدَ الثِّقَةُ) أَيْ حِسًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ شَرْعًا بِأَنْ كَانَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (لِكُلِّ فَرْضٍ) أَيْ عَيْنِيٍّ لَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَلَا نَفْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ، بَلْ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ لِلْفَرْضِ الْوَاحِدِ إذَا فَسَدَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى) أَيْ عِنْدَ ضِيقِهِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ ز ي: سَوَاءٌ أَضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَا. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إنْ جَوَّزَ زَوَالَ التَّحَيُّرِ صَبَرَ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَإِلَّا صَلَّى أَوَّلَهُ اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَلَامَ ح ل إذْ لَوْلَا رُجْحَانُهُ لَمَا عَدَلَ عَنْ كَلَامِ شَيْخِهِ ز ي، فَلْيُحْفَظْ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (قَلَّدَ ثِقَةً) بَصِيرًا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً فَلَا يُقَلِّدُ أَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَةٌ: الْأُولَى الْمُشَاهَدَةُ. الثَّانِيَةُ اعْتِمَادُ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَاعْتِمَادُ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ لَيْسَ تَقْلِيدًا لَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ إنَّمَا يَكُونُ لِإِخْبَارِ الْمُجْتَهِدِ، وَفِي مَعْنَاهُ بَيْتُ الْإِبْرَةِ الصَّحِيحُ. الثَّالِثَةُ: الِاجْتِهَادُ، الرَّابِعَةُ التَّقْلِيدُ فَلَا يَنْتَقِلُ لِلْمُتَأَخِّرَةِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكُلُّهَا فِي الشَّرْحِ، وَيَكْفِي إخْبَارُ رَبِّ الْمَنْزِلِ الثِّقَةِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَإِلَّا لَمْ يُقَلِّدْهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ ع ش، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سُؤَالُهُ عَنْ مُسْتَنَدِهِ كَمَا قَالَهُ ح ل. فَإِخْبَارُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (بِأَدِلَّتِهَا) وَهِيَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ لَيْلِيٌّ كَالْقَمَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَهَارِيٌّ كَالشَّمْسِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْضِيٌّ كَالْجِبَالِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ هَوَائِيٌّ كَالرِّيَاحِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ كَالنُّجُومِ، وَكُلُّ نَجْمَةٍ قَدْرُ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ لِأَنَّهَا لَوْ صَغَرَتْ لَمْ تُرَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُعَلَّقَةٌ فِي الْكُرْسِيِّ بِسِلْسِلَةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ خ ض عَنْ مَشَايِخِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] لِأَنَّ نُورَهَا وَصَلَ إلَيْهَا. وَأَقْوَى أَدِلَّتِهَا الْقُطْبُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ، فَفِي الْعِرَاقِ يَجْعَلُهُ

الصفحة 466