كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 1)

فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا صَلَّى كَيْفَ كَانَ وَأَعَادَ وُجُوبًا وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ وَقَيَّدَ السُّبْكِيُّ السَّفَرَ بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْعَارِفُ بِالْأَدِلَّةِ فَإِنْ كَثُرَ كَرَكْبِ الْحَاجِّ فَكَالْحَضَرِ

وَمَنْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وُجُوبًا فَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَلِّي خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَفِي مِصْرَ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى، وَفِي الْيَمَنِ قُبَالَتَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ. وَفِي الشَّامِ وَرَاءَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ، وَفِي نَجْرَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ اهـ ح ل. وَقَدْ نَظَمَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ أَمَاكِنَ اخْتِلَافِهَا فَقَالَ:
بِمِصْرِنَا الْقُطْبُ الْمُصَلِّي جُعِلَا ... لِأُذُنِهِ الْيُسْرَى حَقِيقًا نَقْلَا
وَلِآذَانِهِ الْيُمْنَى فَفِي الْعِرَاقِ ... وَالشَّامِ خَلْفَ الظَّهْرِ بِاتِّفَاقِ
وَبِالْيَمَنِ تُجَاهَ وَجْهٍ جُعِلَا ... فَخُذْ هُدِيت مُحْكَمًا مُفَصَّلَا
وَنَظَمَهَا أَيْضًا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
مَنْ وَاجَهَ الْقُطْبَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ ... وَعَكْسُهُ الشَّامُ وَخَلْفَ الْأُذُنِ
يُمْنَى عِرَاقٍ ثُمَّ يُسْرَى مِصْر ... قَدْ صَحَّحُوا اسْتِقْبَالَهُ فِي الْعُمْر
وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّمَ الْقِبْلَةِ فَرْضُ عَيْنٍ لِمُنْفَرِدٍ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا وَكِفَايَةٍ لِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ م ر: وَيَحْرُمُ تَعَلُّمُهَا مِنْ كَافِرٍ وَلَا يَعْتَمِدُهَا مِنْهُ وَإِنْ وَافَقَ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: (فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ) أَيْ لِإِرَادَتِهِ. لَا يُقَالُ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِتَعَلُّمٍ وَاحِدٍ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ فَرْضَ عَيْنٍ، إذْ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ طَلَبًا حَازِمًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ عَدَمُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِكُلِّ أَحَدٍ، بَلْ كُلُّ فَرْدٍ مُخَاطَبٌ بِالتَّعْلِيمِ حَيْثُ كَانَ أَهْلًا لَهُ وَيُرْشِدُ لِذَلِكَ قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلَا يُقَلِّدُ إلَخْ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِفَرْصِ الْعَيْنِ مَعْنَاهُ الْأُصُولِيُّ الْمَذْكُورُ بَلْ هُوَ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ الْكُلُّ فَتَسْمِيَتُهُ فَرْضَ عَيْنٍ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي إثْمِ الْجَمِيعِ بِتَرْكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعَارِفِ أَنْ يُقَلِّدَهُ، وَلَا يُكَلَّفُ التَّعَلُّمَ لِيَجْتَهِدَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالتَّعَلُّمِ لِيَجْتَهِدَ، فَيَكُونُ الْمُخَاطَبُ بِهِ عَلَى هَذَا الْبَعْضِ، فَيَكُونُ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ هُوَ تَقَابُلُ الْقَوْلَيْنِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ. أَعْنِي كَوْنَ الْمُخَاطَبِ بِهِ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (وَأَعَادَ وُجُوبًا) فَلَا يُقَلِّدُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلِجَوَازِ زَوَالِ التَّحَيُّرِ فِي صُورَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ) أَيْ يَكْثُرُ فِيهِ الْعَارِفُونَ.

: (فَتَيَقَّنَ) أَخْرَجَ الظَّنَّ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَالْمُرَادُ بِتَيَقُّنِهِ مَا يُمْنَعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةٍ اهـ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَتَقَيَّنَ الْخَطَأَ وَيَظْهَرَ لَهُ الصَّوَابُ يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي وَأَنْ يَظُنَّ الْخَطَأَ فِي مَحَلٍّ وَالصَّوَابُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي أَيْضًا إنْ كَانَ أَرْجَحَ، وَإِلَّا تَخَيَّرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ، وَظَنَّ الصَّوَابَ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ قِيلَ يَتَحَوَّلُ، وَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَظَنَّ الصَّوَابَ أَعَادَ وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ لَمْ يُؤَثِّرْ. اهـ. ز ي. فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ، وَكَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ عَمِلَ بِالثَّانِي فِيهِمَا، وَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ عَمِلَ بِالثَّانِي أَوْ ظَنَّ، وَكَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا اسْتَمَرَّ عَلَى الْعَمَلِ بِالْأَوَّلِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْيَقِينِ دُونَ مَسْأَلَتَيْ الظَّنِّ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا فَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ. اهـ. م د. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً، لِأَنَّ الْخَطَأَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا فِي الْجِهَةِ أَوْ التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ، فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَلَّدَ غَيْرَهُ أَوْ لَا. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا، فَهَذِهِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً. وَقَوْلُهُ: (فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا) إلَخْ التَّعْقِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْفَاءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَهُوَ قَيْدٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

الصفحة 467