كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 1)

تَيَقَّنَ فِيهَا اسْتَأْنَفَهَا وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا عَمِلَ بِالثَّانِي وُجُوبًا إنْ تَرَجَّحَ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ مُؤَدَّاةٌ بِاجْتِهَادٍ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا الْخَطَأُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَمِلَ بِالْأَوَّلِ وُجُوبًا كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَفَارَقَ حُكْمَ التَّسَاوِي قَبْلَهَا بِأَنَّهُ هُنَا الْتَزَمَ بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَةً فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَّا بِأَرْجَحَ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالثَّانِي فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَظُنَّ الصَّوَابَ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَأِ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّهُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوَابِ عَلَى قُرْبٍ لِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ وَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَحَارِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَةً وَلَا يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً وَلَا فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ جِهَةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (فَإِنْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا) خَرَجَ بِتَيَقُّنِ الْخَطَأِ ظَنُّهُ، وَالْمُرَادُ بِتَيَقُّنِهِ مَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا) أَيْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْجِهَةِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (إنْ تَرَجَّحَ) فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْخَطَأُ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَيْ: فَقَدْ عَمِلَ هُنَا بِالِاجْتِهَادَيْنِ، وَفَارَقَ مَا فِي الْمِيَاهِ مِنْ عَدَمِ عَمَلِهِ فِيهَا بِالثَّانِي بِلُزُومِ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ، إنْ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ، وَالصَّلَاةُ بِنَجِسٍ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَهُنَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَقِينًا؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ هُنَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْخَطَأُ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ) وَكَذَا أَكْثَرُ فِي أَكْثَرَ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَطَأٌ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا فِي جِهَةٍ مِنْهَا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَتَيَقَّنُ خَطَأً مُعَيَّنًا أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ هُنَا لَيْسَ مُعَيَّنًا بَلْ هُوَ مُبْهَمٌ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ وَقَالَ كَغَيْرِهِ: فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَخْ. لَكَانَ أَظْهَرَ، لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ لِمَتْنِ الْمِنْهَاجِ. قَالَ حَجّ: وَصَلَّى الْأَرْبَعَ إلَى الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِمَا إذَا صَلَّى كُلَّ رَكْعَةٍ لِجِهَةٍ بِنِيَّةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا إعَادَةَ) أَيْ لِكَوْنِ الْخَطَأِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
قَوْلُهُ: (مُقَارِنًا) الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ أَنْ يَكُونَ عَقِبَهُ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَحَارِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى فِيهَا بِإِخْبَارِ جَمْعٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا ح ل. وَقَالَ سم: مَحَارِيبُ النَّبِيِّ أَيْ الَّتِي ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَلَوْ بِإِخْبَارٍ وَاحِدٍ اهـ. وَأَقَرَّهُ اج وَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ وَعِبَارَةُ ق ل مِحْرَابُ النَّبِيِّ مَا صَلَّى فِيهِ أَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ اهـ. وَالْمِحْرَابُ لُغَةً صَدْرُ الْمَجْلِسِ وَاصْطِلَاحًا مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُحَارِبُ فِيهِ الشَّيْطَانَ، وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا بِمَنْ فِيهِ خِلَافًا لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمِحْرَابَ الْمُعْتَادَ الْآنَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا زَمَنِ أَصْحَابِهِ؛ وَمَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَامِعِ عَمْرٍو وَنَحْوِهِ، فَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَهُمْ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ وقَوْله تَعَالَى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 13] لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا هَذَا الْمِحْرَابَ الْمَعْرُوفَ، وَإِنَّمَا هِيَ الْغُرَفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ جِهَةَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ الْمَوْثُوقِ بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَمَحَارِيبِ الْقَرَافَةِ وَأَرْيَافِ مِصْرَ، فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا وَلَا يَلْحَقُ بِهَا مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (جِهَةً) أَيْ لَا يَجْتَهِدُ فِي الْجِهَةِ بِخِلَافِ التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَيَجْتَهِدُ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ فِي الْجِهَةِ دُونَهُمَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ فِي نَحْوِ قِبْلَةِ الْكُوفَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالشَّامِ وَجَامِعِ مِصْرَ الْعَتِيقِ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنَصِّبُوهَا إلَّا عَنْ اجْتِهَادٍ. اهـ. اج.

الصفحة 468