كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى - وحاشية الشمني (اسم الجزء: 1)
مَقْدُورِ الْبَشَرِ وَأنَّهُ من باب الْخَوَارِقِ الْمُمْتَنِعَةِ عَنْ أَقْدَارِ الْخَلْقِ عَلَيْهَا كَإحْيَاءِ الْمَوْتَى وَقَلْبِ الْعَصَا وَتَسبِيح الْحَصَا وَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إِلَى أنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ مِثْلُهُ تَحْتَ مَقْدُورِ الْبَشَرِ وَيُقدرُهُمُ اللَّه عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا يَكُونُ فَمَنَعَهُمُ اللَّه هَذَا وعَجّزَهُمْ عَنْهُ وَقَالَ بِهِ جَمَاعةٌ من أَصْحَابِهِ وَعَلَى الطّرِيقَيْنِ فَعَجْزُ الْعَرَبِ عَنْهُ ثَابِتٌ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمُ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يكون فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ وَتَحَدّيهِمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ قَاطِعٌ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التّعْجِيزِ وَأَحْرَى بِالتَّقْرِيع والاحتاج بمجئ بشر مثلهم بشئ لَيْسَ من قُدْرَةٍ الْبَشَرِ لازِمٌ وَهُوَ أَبْهَرُ آيةٍ وَأَقْمَعُ دَلالَةٍ وعلى كُلِّ حَالٍ فما أتَوْا فِي ذَلِكَ بِمَقَالٍ
بَلْ صَبَرُوا عَلَى الْجَلَاءِ وَالْقَتْلِ وَتَجَرَّعُوا كَاسَاتِ الصَّغَارِ وَالُّذّل وَكانُوا من شُمُوخِ الْأَنْفِ وَإبَاءَةِ الضَّيْمِ بِحَيْثُ لَا يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا وَلَا يَرْضَوْنَهُ إلَّا اضْطِرارًا وَإِلَّا فَالْمُعَارَضةُ لَوْ كَانَتْ من قُدَرِهِمْ وَالشُّغْلُ بِهَا أَهْوَنُ عَلَيْهِمُ وَأَسْرَعُ بِالنَّجْحِ وَقَطْعِ الْعُذْرِ وَإفْحَام الْخَصْمِ لَدَيْهِمْ وَهُمْ مِمَّنْ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَلَامِ وَقُدْوَةٌ فِي الْمَعْرِفَةِ بِهِ لِجَمِيعِ الْأَنَامِ وَمَا مِنْهُمْ إلَّا من جَهَدَ جَهْدَه وَاسْتَنْفَذَ مَا عِنْدَهُ فِي إخْفَاءِ ظُهُورِهِ وَإِطْفَاءِ نوره فما جلا في ذلك خبيثة من بَنَاتِ شِفَاهِهِمْ وَلَا أَتَوْا بِنُطْفَةٍ من مُعِينِ مِيَاهِهِمْ *
__________
قوله على الجلاء) بفتح الجيم والمد: أي الخروج من البلد (قوله الأنف) بهمزة ونون مضمومتين جمع أنف بفتح الهمزة وسكون النون (قوله من قدرهم) بضم القاف وفتح الدال جمع قدرة (قوله بنطفة) بالطاء المهملة والفاء أي بشئ يسير (*)
الصفحة 267