كتاب المنثور في القواعد الفقهية (اسم الجزء: 1)

الصَّلَاةِ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ بِمُجَرَّدِهَا تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، فَلَوْ اشْتَرَطْنَاهَا مَعَ الْعِبَادَاتِ، لَمْ تَكُنْ الْعِبَادَاتُ مُكَفِّرَةً، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُكَفِّرَاتٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ التَّوْبَةِ مَعَهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ، هَلْ هُوَ قَيْدٌ فِي التَّكْفِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ، لَمْ يُغْفَرْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّغَائِرِ (أَوْ هُوَ قَيْدُ التَّعْمِيمِ، أَيْ تَعْمِيمِ الْمَغْفِرَةِ) ، فَعَلَى هَذَا تُغْفَرُ الصَّغَائِرُ، وَإِنْ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي التَّكْفِيرِ، لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: ٣١] .
قَالَ صَاحِبُ (الْإِحْيَاءِ) ، (وَاجْتِنَابُ) الْكَبِيرَةِ، إنَّمَا يُكَفِّرُ الصَّغِيرَةَ إذَا اجْتَنَبَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، كَمَنْ (تَمَكَّنَ) (مِنْ امْرَأَةٍ وَيَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّظَرِ وَاللَّمْسِ، فَإِنَّ مُجَاهَدَةَ نَفْسِهِ) فِي الْكَفِّ عَنْ الْوِقَاعِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي تَنْوِيرِ قَلْبِهِ مِنْ إقْدَامِهِ عَلَى النَّظَرِ فِي إطْلَاقِهِ، فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا لَمْ يَكُنْ امْتِنَاعُهُ، إلَّا بِالضَّرُورَةِ لِلْعَجْزِ أَوْ كَانَ قَادِرًا، لَكِنْ امْتَنَعَ لِخَوْفٍ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ (فَهَذَا) لَا يَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ أَصْلًا، قَالَ وَكُلُّ مَنْ لَا يَشْتَهِي الْخَمْرَ بِطَبْعِهِ، وَلَوْ (أُتِيحَ) لَهُ لَمَا شَرِبَهُ، فَاجْتِنَابُهُ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ الصَّغَائِرَ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَاتُهُ كَسَمَاعِ الْمَلَاهِي.

الصفحة 420