كتاب الفروق للكرابيسي (اسم الجزء: 1)

فِيهِ طَلُقَتْ، وَإِنْ مَضَتْ لَيْلَةٌ لَا تَطْلُقُ وَلَوْ قَالَ: يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَدَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَنِثَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ وَيُقَالُ: أَيَّامُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَبَنِي أُمَيَّةَ، وَيُقَالُ: لَا أَرَانِي اللَّهُ يَوْمَكَ، يَعْنِي وَقْتَ وَفَاتِكَ، وَقَوْلُهُ.
لَا أُطَلِّقُكِ نَفَى الْفِعْلَ، وَنَفْيُ الْفِعْلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ظَرْفٍ يَقَعُ فِيهِ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَقْتِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَقْتِ، وَاللَّفْظُ إذَا كَانَ يَصْلُحُ لِشَيْئَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْآخَرِ، وَحَمْلُهُ عَلَى النَّهَارِ حَمْلٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْفِعْلِ، وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ يَقَعُ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَقْتِ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ اللَّفْظُ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ؛ إذْ هُوَ أَعَمُّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَيُّ وَقْتٍ دَخَلْتُ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكُلُّ وَقْتٍ دَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا طَلُقَتْ وَكَذَا هَذَا.
وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَرِّرُ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَرَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: يَوْمٌ لَا أُطَلِّقُكِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إيجَابٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ الْإِيقَاعِ، فَصَارَ مُوجِبًا لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ صَارَ مُوجِبًا فِعْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِيجَابُ الْفِعْلِ

الصفحة 168