كتاب الفروق للكرابيسي (اسم الجزء: 1)

فَالضَّرُورَةُ أَيْضًا دَاعِيَةٌ إلَى اللَّمْسِ كَمَا أَنَّهَا دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْمُسَافَرَةِ مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَتَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْزِلَهَا وَيُرْكِبَهَا، وَتَحْتَاجُ الْأُمُّ إلَى أَنْ يَخْدُمَهَا وَلَدُهَا، وَيُدَلِّكَ بَدَنَهَا، وَيَدْهِنَ رَأْسَهَا، وَيُقَبِّلَهَا لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهَا، كَمَا جَوَّزْنَا النَّظَرَ جَوَّزْنَا اللَّمْسَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ فِي الْحَالَيْنِ.
403 - رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ فَدَعَوْهُ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فَقَالَ وَاحِدٌ ثِقَةٌ: هَذَا حَرَامٌ أَوْ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ، وَقَالُوا: هُوَ حَلَالٌ، وَفِيهِمْ أَيْضًا وَاحِدٌ ثِقَةٌ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ، وَلَا يَغْلِبُ خَبَرُ الْحَاضِرِ.
وَلَوْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَبَرَانِ: أَحَدُهُمَا حَاظِرٌ وَالْآخَرُ مُبِيحٌ، وَالرَّاوِيَانِ ثِقَتَانِ فَالْحَاظِرُ أَوْلَى.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَاءٌ وَاحِدٌ طَاهِرًا وَنَجِسًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ إذَا تَنَجَّسَ لَا يَطْهُرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَعُلِمَ كَذِبُ أَحَدِهِمَا - لَا مَحَالَةً - وَكُلُّ وَاحِدٍ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ كَذِبًا كَصَاحِبِهِ، فَاسْتَوَيَا وَسَقَطَا، كَمَا قُلْنَا فِي الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا يَوْمَ

الصفحة 348