كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

10…
والتربية والتعليم.
فهو تاريخ مجتمع فهم التشريع وعمل به والسعادة تملأ جوانحه.
لم يطبق هذا التشريع ـ في المدينة ـ عشرة، أو عشرون، أو مئة، وإنما طبقة عشرات الألوف من الرجال والنساء.
وفي هذا دليل على يسر هذا التشريع وسهولة العمل به، وليس هو مثلاً أعلى، لا يقدر عليه إلا الأنبياء والحواريون.
وهذا التاريخ، لا نقبل فيه إلا الروايات المسندة إلى رجال عرف عنهم الصدق والأمانة في النقل، ولنقل إنها طرائق أهل الحديث في النقل، أو ما هو قريب منها.
وربّ سائل يسأل: هل نطبق قانون نقد السند والمتن المعمول به في الحديث على النصوص التاريخية إذا لم تتصل بحكم شرعي؟ وهل نتشدد في قبول الخبر التاريخي إذا كان لا يحل حراماً، ولا يحّرم حلالاً؟.
إنني لا أُجيب عن السؤالين بـ ((نعم)) أو ((لا)) ولكنني أُسجل الملحوظات التالية:
* الأولى: كان التاريخ في بدايته ممتزجاً بالقصة.
والقصة معناها الموعظة، وكان القصاص يعظون الناس برواية التاريخ الواقعي والمخترع وعندما دون المؤرخون التاريخ، لم يستطيعوا أن يخلصوه من مخترعات أهل القصة، لأن القصاصين وضعوا الأسانيد المخترعة لقصصهم، فنقل المؤرخون كل ما وصلهم بأسانيده ولم يحكموا على رواياتهم، وقالوا: العهدة على الراوي.
فلو أطلقنا العنان للتساهل في نقل كل خبر ورد في كتب التاريخ، واستنباط الأحكام منه، لبنينا تاريخنا على أوهام وخرافات.
ولنأخذ مثالاً لذلك: فقد روت بعض المصادر أن بلالاً رضي الله عنه كان يجعل الشين سيناً في الأذن، ويقول: ((أسهد)) بالسين المهملة، مكان ((أشهد)) بالشين المعجمة، ورووا الأثر ((سين بلال عند الله تعالى شين)).

الصفحة 10