كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
108…إلى الوطن، مسقط الرأس، لما روي في الحديث أن بلالاً كان إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته (1) يقول:
ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة بواد وحولي اذخر وجليل (2)
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل (3)
... فقد تمثل بلال بهذين البيتين وهو في حال صحو من وقع الحمى عليه وفيهما حنين إلى مكة المكرمة، لأنه يذكر مياهها ومعالمها، ونباتها.
ولذلك جاء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في المناسبة ذاتها ((اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة)). [البخاري ك 29، باب 12].
(ب) وناسب ذلك إدخال الأمن والاطمئنان إلى نفوس المسلمين في المدينة حيث كانت قاعدة الإسلام الاولى، وموطن المسلمين الوحيد في بداية الهجرة.
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المدينة ((لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)).
ودعا للمدينة بالبركة فقال: ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة)) ذلك أنه أصبح في المدينة ضعف ما في مكة من الناس.
(جـ) وأحب رسول الله المدينة، والمسلمون تبع لما يحب الله ورسوله، فاختار لها احب الاسماء واطيبها، فقال عليه السلام: ((هذه طابة)) وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فنظر إلى دوحات المدينة أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها، من حبها أي: حب المدينة.
…
__________
(1) عقيرته: أي: صوته. وأصله أن رجلاً انعقرت رجله فرفعها على الاخرى وجعل يصيح. فصار كل من رفع صوته يقال: رفع عقيرته.
(2) واد: أي مكة. وإذخر وجليل: نبتتان
(3) وشامة وطفيل: جبلان بقرب مكة، أو عينان. والبيتان منسوبان لبكر بن غالب الجرهمي قالهما عندما نفتهم خزاعة عن مكة. وتمثل بهما بلال بن رباح.